تحركت الحكومة سريعا بعد حوادث الطرق الأخيرة وراح ضحيتها أطفال أبرياء حرقا فى البحيرة، بعد اصطدام الحافلة المدرسية بناقلة مواد بترولية فى عز الظهر، وصدرت القوانين سريعا أيضا بتشديد العقوبات وجزاءات المخالفات المرورية. بالتأكيد كل ذلك شىء جميل ولا غبار عليه ولا تشكيك فى نوايا الحكومة فى الإصلاح وفرض القانون للحفاظ على أراوح البشر المهدرة دماؤهم على الأسفلت يوميا فى حوادث الطرق لأسباب كثيرة، حتى اعتلت مصر المرتبة الأولى عالميا فى عدد ضحايا الحوادث بحوالى 12 ألف شخص من الكبار والأطفال والنساء سنويا.
نحتاج الكثير من الخطوات لعلاج الأزمة المرورية المزمنة التى أصبحت «عقدة» حقيقية فى مصر وعقبة فى طريق أى تطوير أو إصلاح اقتصادى، فالطرق والمرور أحد عناصر البنية الأساسية الضرورية لجذب الاستثمارات من الخارج أو الداخل، وتدهور حالة الطرق والمواصلات لا يؤدى فقط إلى خسائر بشرية جسيمة فى الأرواح، ولكن يؤدى أيضا إلى خسائر اقتصادية بالمليارات يقدرها جهاز التعبئة والإحصاء فى آخر تقرير له بحوالى 17 مليار جنيه سنويا. تخيلوا أن مصر تفقد سنويا هذه الأموال بسبب غياب الحل لأزمة الطرق والمرور العشوائى الذى أصبح سمة مميزة للشوارع والطرق فى مصر يتندر عليها كل زائر لها.
العلاج لن يكون مفيدا وناجعا إذا كان مجرد رد فعل على حادثة أثارت غضب الرئيس والرأى العام، وبعدها تهدأ الأمور «وتعود ريمة إلى عادتها» فى انتظار حادثة أخرى وغضبة جديدة. هذه الطريقة العتيقة فى علاج المشاكل فى مصر لن يؤدى إلى تحقيق تنمية حقيقية إذا كانت العقول تتعامل «على قديمه»، ولم يحدث لها تحديث وتطوير فى التفكير للمرحلة الجديدة.. ولا نريد أن نصل إلى مرحلة «مافيش فايدة.. مافيش تغيير ولا يحزنون».
تفعيل القانون هو الحل الجزئى الآن لإعادة بعض من الانضباط الغائب عن الشارع المصرى، وردع المخالفين للقانون خاصة سيارات النقل الكبيرة - التريلات - التابعة لشركات المقاولات وغيرها بإلزمها بتسيير سياراتها وفقا للقانون من منتصف الليل وحتى السادسة صباح اليوم التالى، مثل باقى الدول المتحضرة، وتوعية سائقيها بالالتزام بالقانون. الكارثة الأخرى هى انفلات ما يسمى «بالتوك توك» وعدم خضوعه لقانون المرور، وتركه يعيث فسادا فى شوارع مصر - أكثر من مليونى توك توك فى مصر حاليا - وكأنه فوق القانون ولا حاكم أو رادع له.