كل من عرف المحامى والمناضل الكبير الراحل أحمد نبيل الهلالى كان يراه رجلا يملأ المحكمة، ويقف طوال الوقت بابتسامة لا تفارقه، يرد ويتحدث بلغة سلسة شاعرية وأدبية، من دون أن يهمل الدفوع وتفنيد نقاط الضعف والثغرات القانونية، لم يهتم بأن يختلق مشاجرة مع المنصة، أو مع الخصوم، بلا تشنج ولا عصبية، عُرف الهلالى بالدفاع عن حقوق الفلاحين والعمال والحريات، وقضايا الإسلام السياسى فى الثمانينيات والتسعينيات، اعتقل مرتين وسجن لأربع سنوات، دفع ثمنا لنضاله ما يقرب من 10 سنوات بالسجن، دفاعا عن رأيه، وكان مدافعا عن الرأى وحريته بحق وليس بالشو.
دافع عمن يختلف معهم وليس فقط عن تيار ينتمى إليه، كان اشتراكيا يبحث عن العدل، لم يقصر دفاعه عن العمال ويسخر مكتبه للدفاع عنهم، لكن حضر ودافع فى كل قضية، كان يرى صاحبها مظلوما حتى لو كان ممن يختلف معهم فكريا من تيار الإسلام السياسى.
ولم يخل دفاعه دائما من خفة دم، ناهيك عن كونه كان يترافع عن العمال والمظلومين.. ولهذا حصل على لقب «القديس» ليس لأنه كان رجل الحق، لكن لأنه لم يسع أبدا للمزايدة على الآخرين، ولم يتورط فى تمويل مشبوه، وعندما صدر حكم بإعادة أملاكه إليه يوما، رفض لأنه كان يرى صحة الإجراءات.
لماذا نقول ذلك، نقوله بمناسبة ظاهرة سادت وانتشرت مؤخرا، هى رغبة بعض السادة المحامين فى الظهور، لا يهمهم الموكل أو من يدافعون عنه، وإنما يهمهم الظهور والشو والتصوير صباحا، والحديث فى الفضائيات مساء لزوم التوك شو، يفضلون الشو عن الدفاع والمزايدة عن النقاش ولا يهتمون كثيرا بالقانون، وإنما بالظهور وصناعة شو، همهم اختراع مشكلة مع محامين أو مع النيابة والمحكمة لتتطاير الألفاظ وتنتشر أخبار حول القضية وليس فى القضية، لقد رأينا كثيرا من المحامين يترافعون فى برامج التوك شو أكثر مما يفعلون أمام المحكمة، وانتقلت المرافعات إلى الفضائيات وليس أمام المحاكم، لا يهمه مصالح موكليهم ولا القانون أو تبيين الحق، وإنما الصورة والفيديو والصراخ والتشنج، بعضهم أصبح يقلد محامى التليفزيون والسينما، وأصبحنا أمام «كاركترات»، فى النضال والدفاع والمحاماه والتظاهر، الهدف هو صنع «منظر» وليس تحقيق هدف. فقط المزايدة والضجيج بلا طحن.
رحم الله نبيل الهلالى، مناضلا يدفع الثمن، ومحاميا من أجل العدل، بعيدا عن «كاركترات الشو».