حادث «لنش البحرية العسكرية بمياه دمياط» أكبر دليل على حالة التخبط المعلوماتى التى تعيشها الصحافة المصرية، وفى الوقت ذاته أكبر نموذجا على الجرائم التى نرتكبها نحن الصحفيين بحق الشعب وبحق أمننا القومى.
اجتهدت كل الصحف المصرية فى متابعة الحادث ضمانا لتقديم محتوى خبرى لقارئها، غير أن جميعها وقعت فى خطأ مشترك، وهو التورط فى نشر أخبار متضاربة عن الحادث 9 ساعات متواصلة دون نسب أى خبر لمصدر رسمى محدد أو ترجيح أى رواية أقرب إلى الصحة، «المصرى اليوم» كتبت أن المهاجمين حاولوا اختطاف قوة القطعة البحرية «الذين استبسلوا فى مواجهتهم، وتعرضوا للإصابة، وهو الخبر الذى يؤدى إلى أن الأمر ليس تهريبا ولكنه عمل عدائى، فى حين كتب موقع «أخبارك» تصريحات على لسان الخبير الأمنى سامح سيف الليزل أن الهجوم من قبل جاء من جماعات تهريب مخدرات، وفى المقابل وصفت «اليوم السابع» فى خبرها الواقعة بأنها «إرهاب جديد من البحر» ودعمت روايتها بتفاصيل عن دور مخابرات أجنبية فى الواقعة.
من يحمل الرواية الصحيحة هنا؟ حقيقة لا أعلم، ولكن ما هو معلوم أن القارئ وقع فى تخبط دائم ساعات طويلة بسبب اجتهاداتنا الصحفية المبنية على اجتهادات دون معلومات موثقة.
السؤال.. هل يتحمل الصحفى المسؤولية وحده عن هذا التخبط؟، الإجابة لأ، يشاركه فى المسؤولية الأجهزة المعلوماتية الأمنية التى تركت الإعلام بلا أى معلومة 9 ساعات متواصلة، ولم تصدر أى بيان إلا فى الحادية عشرة مساء، فى حين أنه كان بيدها أن تصدر بيانا فى وقت سابق لذلك بساعات طويلة وتمنع أى جدل أو تضارب معلوماتى حول الواقعة.
الأصل أن الإعلام يحافظ على الأمن القومى للبلاد دائما، ولكن من مقتضيات الأمن القومى أيضا أن يتم منح الإعلام المعلومات الكافية بما لا يوثر فى الأمن القومى، وهو أمر تحدده الأجهزة المعلوماتية الأمنية فى مصر.
وفقا للبيان الأخير للمتحدث العسكرى، فإن الواقعة جرت أحداثها فجر الأربعاء، بما يعنى أنه حتى كتابة الكلمات فإن 40 ساعة مضت، إلا أن الأسئلة الأولية للحادث لم يجب عنها، من نوعية، هل المجموعات المسلحة مهربون، أم إرهابيون؟ وإن كانوا مهربين لماذا لم تعلن الأجهزة الأمنية طبيعة المواد المهربة؟ وإن كانوا مسلحين، فما هى انتماءاتهم «داعشيون» أم يتبعون «جهاز مخابراتى أجنبى»؟
نقاشى عن العلاقة بين الإعلام والأمن القومى نقاش إيجابى وصولا لحالة الترابط العضوى بين الأمرين، خاصة أن العدو واحد وهو الإرهاب، والإعلام يقف بجوار الأمن القومى فى كل ما سبق وأعلن أنه يقف فى كل ما هو لاحق. بضمير وطنى وبقلم كاتب شاب، أرجو الأجهزة المعلوماتية ألا تترك الساحة الإعلامية بلا معلومة، إن وقع حادث كبير، لأن الإعلام يكون رهينة الاجتهادات التى قد تصيب وكثيرا ما تخيب، فيترتب عليها مزيد من التوتر والقلق الدائم بين جموع الشعب المصرى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة