شهد العرض الثالث للفيلم الأردنى «ذيب» إقبالا جماهيريا كبيرا، خلال فعاليات الدورة الـ36 لمهرحان القاهرة السينمائى الدولى، ورغم عرض الفيلم مرتين حيث يتنافس داخل مسابقة آفاق السينما العربية فإن ذلك لم يؤثر على الإقبال الجماهيرى فى العرض الثالث، ويبدو أن السمعة التى حققها الفيلم فى عرضيه الأول والثانى، إضافة إلى حصوله على جائزة أحسن فيلم عربى من مهرجان أبوظبى السينمائى فى دورته الأخيرة، وحصول مخرجه ناجى أبونوار على جائزة أحسن مخرج فى الشرق الأوسط من مجلة فارايتى، وقبل كل ذلك حصوله على جائزة أور زونتى من مهرجان فينسيا الدولى ضمن مسابقة آفاق جديدة، وهى المسابقة التى تحتفى بالتجارب الأولى والثانية لمخرجين أصحاب رؤى فنية وبصرية مختلفة وواعدة، كل هذا ساهم، وبشكل كبير فى نسبة الإقبال الجماهيرى، كما أن مخرج الفيلم أعلن سعادته بهذا الإقبال من الجمهور المصرى، وهو ما فتح أفق عرض الفيلم جماهيريا بعد ذلك فى دور العرض المصرية، والسؤال الذى يجب أن نطرحه، هل يستحق ذيب التجربة الأولى لمخرجه ناجى نوار كل هذه الضجة؟ والاجابة هى بالقطع نعم،خصوصا أننا أمام فيلم شديد التميز فى كل عناصره الفنية، وتجربة تؤرخ لسينما أردنية واعدة.
والفيلم تدور أحداثه فى صحراء الجزيرة العربية أثناء الحرب العالمية الأولى، فى ظل تنازع، الإمبراطوريتين البريطانية والعثمانية، حول السيطرة على الجزيرة التى تعيش مرحلة فارقة فى تاريخها وهى المرحلة التاريخية الثرية والمليئة بالكثير من الصراعات، خصوصا أن أكثر المتضررين من تلك النزاعات والصراعات هم أهل الأرض، الذين يعيشون فى تلك الأرض ويصبح عليهم أن ينضموا لأحد الطرفين، وفى هذه الحالة سيتم وصفهم بالخيانة من قبل الطرف الثانى ويدفعون الثمن أو يقفون على الحياد وأيضاً سيدفعون ثمنا باهظا قد يكلفهم حياتهم وأرضهم، والمفارقة أنه صراع ليس لهم ذنب فيه من قريب أو بعيد.
ذيب هو الابن الأصغر لإحدى هذه القبائل، التى تلتزم بحكم التقاليد العربية بمساعدة من يطلب العون، حتى لو كان ضابطا إنجليزيا يبحث عن خط سكك حديدية دون أن يفصح لأحد عن هذا السبب، هذا الوافد الذى يغير من طبيعة الحياة والصراع، فالطفل الصغير ينظر إلى هذا الوافد على أنه «غريبة» من غرائب الطبيعة، وكبار القبيلة يرحبون به ويقررون مساعدته، وحتى لو كان الثمن هو خسارة أرواح أحدهم فهم كانوا يعيشون فى سلام قبل مجئيه، إلا أنهم أعطوه العهد، ويذهب الابن الأكبر مع دليل يصاحب الضابط الإنجليزى، ولكن ذيب الطفل الفضولى، والذى تربطه بشقيقيه الأكبر علاقة توأمة وأبوة فى ذات الوقت فهو المثل والقدوة، الذى يعلم الطفل كل شىء بدءا من رعى الأغنام وركوب الجمال، وصولا إلى المبارزة بالسيف، لذلك يخرج ذيب خلف شقيقه الأكبر الذى ذهب ليرشد الضابط الإنجليزى، ليس مدفوعا فقط بتلك الرغبة الفضولية الطفولية، ولكن لأنها حتمية الحدث والتغيير، فكل شىء فى المنطقة يتغير، مع وجود السكك الحديدية، وتغير وسائل النقل، وهو ما أدى لتوقف مهن كانت تعتمد على النقل عن طريق الإبل فى دروب الصحارى، ذيب الطفل يجد نفسه فى خضم الكثير من التطورات، ضابط إنجليزى لا يفصح عما يريد، أخطار من عصابات الطرق، وآخرون يقفون مع الدولة العثمانية ضد الإنجليز، شقيقه يقتل أمامه، ويضطر لدفنه، ومحاولة لإنقاذ نفسه من رجال العصابات يلقى نفسه فى بئر ماء، إلى أن يضطر للتعامل مع واحد من رجال العصابة والذى تركه زملاءه لأنه جريح، وكأنه بكل تلك الأحداث والتطورات، يتم تعميد ذيب الطفل ليصبح رجلا، صنعه حاضره المرير، خرج وراء شقيقه على حمار صغير، وعاد ممتطيا جملا، مثل الرجال.
«ذيب» فيلم يحمل أجواء قريبة أو تشبه أجواء أفلام الويسترن الغربية والساموراى اليابانية، لكن صورة البطل هنا ليست «كاوبوى» على صهوة حصانه، أو مقاتل ساموراى يجذب سيفه برشاقه، يحسد عليها بل فارس بدوى نبيل، يدفع ثمن نبله، وهو إن جاز التعبير ويسترن بدوى، وحيث لا توجد أفلام بدوية وهنالك عدد قليل من الأعمال تم إنتاجها فى مصر ولبنان، لذلك يعد فيلم ذيب واحدا من الأفلام القليلة التى قدمت تلك الأجواء بحرفية عالية، ومن خلال شكل فنى شديد التميز، ناجى مخرج متمكن من أدواته بصورة مدهشة، خصوصا أنه يقدم تجربته الروائية الأولى منطلقا من تراث ثقافى متنوع، وهو ما ساهم فى أن يخرج الفيلم بهذا الشكل، فناجى درس السينما فى لندن ومعه فريق عمل أغلبه من الأجانب، إلا أن فيلمه مفعم بذلك السحر الخاص بالشرق، والذى يبدو أن ناجى متشربا له، ولم يتعامل معه بعين الاستشراق، أو كمن يشاهد من بعيد شيئا يتعالى عليه أو منفصلا عنه، ولكنه فى كل لقطة يؤكد أنه ابن تلك المنطقة، التى يدفع أبناؤها طوال الوقت ثمن وجودهم فى تلك البقعة من الخريطة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة