نشوى رجائى السماك تكتب: جميلة

الأحد، 16 نوفمبر 2014 11:02 م
نشوى رجائى السماك تكتب: جميلة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا أردت أن ترى كيف تكون ضحكة إنسان مبكية فلتتحدث مع "جميلة". إذا أردت أن تشمئز وتشفق وتلعن وترحم وتنصح وتسمع فلتتحدث مع "جميلة" .

كانت رحلتى اليوم إلى "ورشة الزجاج" التى تقع فى وسط السوق المكتظ بالسلع والبائعين والمشترين وتختلط الأصوات ويعلو الضجيج. بعد كثير من الأسئلة عن مكان الورشة استطعت أن أصل إليها.. وجدت سيدة نحيفة قليلة الحجم تجلس على "رصيف" الورشة.. ألقيت السلام عليها غيرعابئة بها فلم ترد.... ثم نظرت إلى الداخل فلم أجد أحدا فوجدتها تقول لى بكل ود "أشرف بيصلى وراجع"....ابتسمت فى وجهها فوجدتها تهب لتأتى لى بكرسى كى انتظر الرجل. جلست وراحت تنظر إلى وتريد أن تحادثنى وانطلقت تتحدث وكأنها كانت فى انتظار من يسمع حكاياتها..!!!.

دعونى قبل أى شىء أصف "جميلة"، سيدة فى العقد الخامس من عمرها تقريبا وإن كادت لتبدو أكبر من حقيقتها، زرقاء العينين، بيضاء البشرة، وكما ذكرت منذ قليل نحيفة قليلة الحجم. بدأت تحدثنى عن صاحب الورشة وأمانته ومهارته وتشجعنى على الاستعانة به... ثم ارتفع صوت إقامة الصلاة فقالت مبتسمة: "إنه هو" (تقصد إنه صوت "أشرف" الذى يرفع آذان الإقامة .


ثم انطلقت تحكى لى عن نفسها... ولا تسألنى كيف انطلقت إلى هذا المسار فى الحديث لأننى لا أعرف... تنظر إلى مبتسمة وتسرد لى آلام وهى تبتسم ابتسامات تقفز متعثرة على وجهها الأبيض المتجعد ..... تنظر إلى عينيى بعد أن رفعت عنهما نظارة الشمس وتتحدث عن صحتها التى تدهورت من الهم.... تحكى عن ابنها الذى يتعاطى المخدرات وتم سجنه سنة ونصف وانطلقت تشكو لى معاناتها مع هذا الشاب الذى لا يشعر بما حوله وهى تبتسم ابتسامات تجبر قلبك أن يدمع..... تتحدث عن أشياء قد تبدو بالنسبة لى غريبة.. لأنى أول مرة أجالس أم لبلطجى أو مدمن..!!!

كانت تحدثنى وكأننى من أهل المنطقة وأعرف كل الشخصيات التى لم أسمع مثل أسمائها إلا فى الأفلام والتى تطلق غالبا على البلطجية أو أولاد الشوارع ..... حدثتنى عن جريمة قتل فى المنطقة باستخدام الأسلحة الآلية لشخص بعد عرسة بفترة قصيرة ولكنها استطردت قائلة غامزة لى بعينها الزرقاء "بس يستاهل أصله كان بلطجى ومفترى".... ثم تنطلق فى الابتسام وتكمل حديثها عن معاناتها مع ابنها وتحكى لى عن محبة أهل المنطقة لها ومساعدتهم لها، وبالفعل خلال جلستى معها مر أكثر من شخص كانوا يلقون السلام عليها .

وفى إحدى الابتسامات المبكيات القافزات على وجهها خانتها دموعها فبللت العيون الزرقاء دموعا خفيفة سرعان ما أخفتها بابتسامة قافزة أخري... وجدت نفسى أسألها "أنتى بتصلى؟".... قالت لى: "لا" قلت لها: "جربى تقربى من ربنا وتشتكى له، أنتى بتشتكى لى وبسمعك وهمشى وأنساكى وهتشتكى لغيرى وكله هيسمعك وتصعبى عليه شوية وينساكى، روحى للى مش هينساكى"..... ابتسمت قائلة: "لا بيغفل ولا بينام، طبعا طبعا.. بس أنا أصلى بكفر كتير وبسب الدين كل شوية".... قلت لها: "هيقبلك، بيغفر أى حاجة مهما كانت" واستطردت قائلة: "اللى إنتى فيه ده ابتلاء هو عاوزك تروحى له، ويمكن برضو تخليص ذنوب، بيرحمك بأنه يفكرك عشان ترجعى له"....قالت لى: "آه صح، أصلى بشتم أمىو بضربها"...سألتها : "هى عايشة؟"... قالت لى "آه"...قلت لها: "قربى من ربنا"...قالت لى : "أنا مرة صليت".... وجعتنى هذه الكلمات حينما يكون العبد يعرف الله ويشكو لمن لا يملك ولمن رحمته محدودة بل وقد يشكو لمن لا يرحم ويترك أرحم الراحمين.

تجربة بالنسبة لى فريدة من نوعها، قد تكون ليست هكذا بالنسبة لمن يقرأ كلامى ولكننى لم أتخيل يوما أن أجالس أم لمن أتجنب أن أمر فى طريقهم وتحكى لى عن عالمهم الذى لم أعرفه سوى فى الأفلام. ابتسامات مبكيات، عالم مقزز مثير للشفقة والرحمة، راحة ربانية غائبة عنهم وهم أولى من يلهث وراءها.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة