كلما زادت الثقافة كلما اتسعت شواغل الناس وزاد إحساسهم بالمسئولية، وكلما زادت التفاهة كلما اتسعت المسافة بين الناس وزاد إحساسهم باللامبالاة والتخلف. والثقافة مناخ اعتيادى. فالتعود على ارتياد الأوبرا والندوات والمتاحف مختلف عن الاعتياد على الذهاب إلى القهوة أو الاستاد أو التجول بين المحلات. وبالمثل فالإعلام الذى يهتم بشئون المفكرين والمبدعين والعلماء ويفرد لهم الصفحات ويخصص لهم البرامج ويجعلهم رموز المجتمع وأبطاله. مختلف تمامًا عن الإعلام المهتم بالبلطجية والشواذ والقوادين والذى يجعل من الحثالة أسماء لامعة فى أذهان المشاهدين.
وفى كل دول العالم يهتم الإعلام بهذه الأنماط القذرة ويعطيها مساحة تختلف من دولة إلى أخرى بناء على نظامها السياسى وتركيبتها الاجتماعية ولكنه بالتأكيد لا يصنع منهم أبطالاً كما يحدث عندنا. فعلى مدار عدة شهور احتفلنا بظهور أربع (عناتيل) فى أنحاء متفرقة من البلاد وهللنا لهم ونشرنا صورهم كالأبطال، بل منحهم الإعلام لقب العنتيل وهى كلمة فرعونية تصف الرجل القوى المكتمل مفتول العضلات. وما بين هذا اللقب الإعلامى الفاخر وبين تهافت الناس على معرفة أخبارهم أو مشاهدة أفلامهم تضيع ملامح الجريمة وشذوذ الطباع وانحطاطه ويبقى بريق الشهرة والرجولة فى أذهان المراهقين والشباب، وللأسف يؤكد علماء النفس والاجتماع أن زيادة معدل الاهتمام بهذه النماذج الشاذة فى أى مجتمع مرتبط بزيادة نسب الضعف الجنسى فيه، فيكون هذا الاهتمام نوع من الإسقاط النفسى الذى يلجأ له الأفراد بشكل لا شعورى لإخفاء ضعفهم وعدم قدرتهم، ولا يخفى على أحد أننا نستهلك منشطات جنسية بحوالى 15 مليار جنيه سنويًا وأن نسبة الضعف الجنسى وصلت إلى 64% بين الرجال كما جاء فى آخر إحصائية نشرتها جريدة المصرى اليوم، فهل يستغل الإعلام هذه الحقائق ليتاجر بنماذج قذرة، أم أن المجتمع هو الذى يدفعه إلى ذلك، أم أن الإعلام ما زال متأثرًا بالنظم السياسية التى حكمت مصر لفترات طويلة ودربت الإعلام على استغلال هذه الحوادث لشغل أذهان الناس وتلويث ثقافتهم ولتنقل للمجتمع رسالة بشكل غير مباشر (هكذا أنتم فلتحمدوا الله أننا نحكمكم). لذلك لو كان هناك نية حقيقة من النظام الحالى لإصلاح الإعلام وتطهيره كما يدعى فليبدأ بصفحات الحوادث وليطهر ثقافة المجتمع وأفكاره أولاً من تلك النماذج الممسوخة قبل أن يفكر فى تأديب خطاب المعارضة أو البحث عن إعلام يؤيد المسئولين إلى يوم الدين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة