أعلن النائب اللبنانى الوزير السابق مروان حمادة فى شهادته، أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أن الرئيس السورى بشار الأسد هدد رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريرى بأنه سيدمر لبنان على رأسه ورأس وليد جنبلاط، إذا عارضوا رغبة الأسد فى إعادة انتخاب الرئيس اللبنانى الأسبق إميل لحود.
وقال حمادة فى شهادته أمام المحكمة التى تعقد بمدينة لاهاى الهولندية للنظر فى قضية اغتيال الحريرى إن الحريرى روى له هذا التهديد خلال جلسة كان موجودا بها وليد جنبلاط والوزير السابق غازى العريضى فى قصر جنبلاط ببيروت.
وروى حماد تفاصيل الأحداث قائلا: "فى 26 آب كنت فى حديقة منزل جنبلاط فى كليمنصو فى بيروت، كنا نجتمع جنبلاط وغازى العريضى وباسم السبع وأنا فى انتظار عودة الحريرى من دمشق.
مضيفا إنه بعد عودة رفيق الحريرى مباشرة من اللقاء مع الرئيس السورى بشار الأسد فى دمشق ، فاجأنا بالوصول إلى منزل جبنلاط ، ونزل الحريرى من السيارة فى وضع قل ما شاهدته فيه، كان مكفهر الوجه شعره "منكوش" (غير مرتب) بعض الشئ والعرق يتصبب من وجهه. أغلق باب سيارته وتوجه الينا، وقال فجأة يريد لحود ولا أحد غير لحود.
وتابع حمادة قوله " عند الاستفسار من قبل جنبلاط ومن قبلى والعريضى والسبع عن الموضوع، شرح ما جرى له، وقال إنه عندما وصل إلى دمشق ذهب إلى منزله كما كان متفقا عليه مع رستم غزالة رئيس المخابرات السورية بلبنان أنذاك وجلس منتظرا الموعد على أمل أنه سيناقش مع الأسد احتمالات أخرى تكون أقل عبئا وخطورة على لبنان وسوريا، فى وقت بدأ سباق محلى وإقليمى ودولى حول القرارات الدولية فى مجلس الأمن تتعلق بلبنان ولاحقا صدر القرار 1557 وبين تعديل الدستور توطئة لإعادة انتخاب لحود".
وتابع "قال إن الأسد استقبله "على الواقف" أى لم يدعه للجلوس وبقى يتحدث معه 10 دقائق، وكان الحديث فى اتجاه واحد. وقال له "أنتم تعتقدون أنكم تستطيعيون فرض إملاء رئيس جديد على لبنان. إنكم تخطئون بذلك لأننا نحن الذين نستطيع أن نحسم هذا الخيار وليست فرنسا ولا الولايات المتحدة الأمريكية".
وعندما احتج الحريرى أن لا فرنسا ولا الولايات المتحدة الأمريكية تنتخب، وإنما تساعد لانتخاب رئيس أقل استفزازا من لحود. أجاب الأسد "بل سيكون لحود، وإذا عارضتمونى سأدمر لبنان على رأسك ورأس وليد جنبلاط. الأفضل أن تذهب إلى بيروت وترتب أوضاعك على هذا الأساس".
وأشار حمادة إلى أنه كان واضحا أن الأسد لا يريد أن يترك مجالا للحريرى فى أن يناقشه. وترك الحريرى قصر الرئاسة فى دمشق وعاد إلى بيروت، وكنا أول من التقاه عند عودته".
وسئل عن تفسيره للكلمات التى نقلها إليه الحريرى وتحديدا عبارة سأدمر لبنان على رأسك وعلى رأس وليد جنبلاط، قال حمادة "فى تلك اللحظة تفاوتت الأراء حول التفسير طبعا لم يصل أحد الى التفسير الدراماتيكى "أى الاغتيال".
وكشف حمادة أن جنبلاط نصح الحريرى أن يتفادى المواجهة لأنه رئيس وزراء لبنان وزعيم سنى لبنانى وهذه الزعامة لها انعكاسات حتى فى سوريا ودمشق ولها موقع عربى، وأن السورييين أكثر قدرة على إيذاء الحريرى من جنبلاط.
وقال له جنبلاط "أنا يا أبو بهاء (الحريرى) أستطيع أن اتحمل التهديد، سبق أن اقترفوا بوالدى -كمال جنبلاط الذى يعتقد أن النظام السورى اغتاله فى منتصف سبعينيات القرن الماضى- شيئا مماثلا وقد يكون هذا جزء من مناعتى وقد لا يكررونها.
وتابع قائلا : أنا فى الجبل استطيع أن أحمى نفسى"، فى الجبل حيث الطائفة الدرزية موجودة وهى طائفة متواضعة العدد لكن قوية الشأن والصمود.
فأجابه الحريرى "ولكن يا وليد الأسد قال لى إنه سيطالك حتى عند الدروز". أجاب وليد "هذه بسيطة، لكن أنت يا رفيق أنت معرض لأكثر بكثير ونصيحتى لك تشمل ثلاثة أمور أولا أنت تتجاوب مع الأسد وتسهل إعادة انتخاب لحود، نحن المودجودين هنا سنصوت ضد، ولكن أنت وكتلتك لتفادى الشر تقدم استقالتك من الحكومة لأمنك وكرامتك، وتغادر لبنان وتبقى وقتا طويلا فى الخارج".
ورد على سؤال لماذا طلب جنبلاط أن يغادر الحريرى لبنان بعد هذه التهديديات؟.. أجاب حمادة: منذ عام 2000 كان جنبلاط على قناعة أن الحريرى غير مرغوب فيه وغير محبوب من دمشق، وأنهم يخشون تمادى نفوذه فى المنطقة ودمشق، ولحمايته الشخصية كانت المغادرة أفضل حل. هذا النقاش جرى مرارا بيننا وفى الجلسات المسائية كل يوم احد، وكانا يتبادلان النكات، الحريرى وجنبلاط، فكانا يراهنان من سيقتل أولا".
وعما إذا كان حضر اللقاء بين الحريرى والأسد آخرون أو أى ضباط سوريين، قال حمادة: "حسب معلوماتى كانا وحيدين لم يقل لنا الحريرى غير ذلك لأن الرواية أتت منه فورا".
وأشار حمادة إلى أن الخلاف على الانتخابات الرئاسية كان خلافا تجاوز لبنان ولكن لم يكن للسعوديين أو غيرهم مرشحون، كان الكلام من موفدين جاؤوا إلى بيروت ودمشق، منهم وزير خارجية ألمانيا، ممثل الأمم المتحدة تيرى رود لارسن وغيرهم، وكانت النصيحة تأجيل هذا الاحتكاك لتفادى تدهور الأمور. فى مجلس الأمن كانت أمنية الدول أن يحترم الدستور اللبنانى وهذ لمسته أنا بصفتى كنت وزيرا للخارجية بالوكالة.
ولفت إلى أن "العلاقة بين الحريرى ودمشق بقيت طبيعية فى السنوات الأولى التى تبعت الطائف، فى تلك الحقبة كان لبنان يعتمد على الدعم السورى وفق الطائف، على أن تتقيد سوريا تباعا بما جرى توقيعه فى الطائف وهو الانسحاب التدريجى من لبنان.
وأضاف أن القصة ليست وطنية أو غير وطنية كان الحريرى لبنانيا وطنيا وعربيا، كان مناضلا والقضية كانت تطبيق الاتفاق العربى، اتفاق الطائف، فى أن تساعدنا سوريا ونلتزم بالدفاع معها فى حال حدث اعتداء إسرائيلى، لكنه لا ينص على أن يستمر الوجود السورى كل هذا الوقت وأن يتحول من دعم للدولة إلى نوع من الوصاية على الدولة.
وقال حمادة: "العلاقة بيننا وبين دمشق تخطت الخطوط الحمر، وكان لا بد أن نستجمع قوانا كمعارضة سلمية لم نكن مسلحين ولا نملك ميليشيات وقد حلت قبل 12 سنة، كنا نعارض امتداد وانغماس سوريا فى كل شاردة وواردة فى لبنان. رغم التاريخ الحافل لإجرام النظام السورى فى لبنان وقد جئت على ذكر كمال جنبلاط وبشير الجميل -يتهم البعض النظام السورى باغتيالهم- وهى ليست أسرارا وهم تباهون فى ذلك ورينيه معوض ومفتى الجمهورية الذى كان معتدلا يدعو المسيحيين والمسلمين إلى الوحدة فى خضم الحرب.
واستدرك قائلا لم أكن أتوقع اننا سنعود إلى نفس المسلسل الدامى، قلت ستكون ضغوطات لإبعاد الحريرى عن الحكومة واعتقد أنه خلال 15 يوما يستطيع الوصول إلى حل وسط يوازى بين حكومة اتحاد وطنى وإعادة لحود. لم أكن اعتقد أنهم سيتجرأون ولا أذكر أننا اتخذنا تدابير إضافية تتعلق بالجانب الأمنى من هذا التهديد".
وردا على سؤال كيف فهم الحريرى عبارة سأدمر لبنان على رأسيكما.. أجاب حمادة: "لم يذعن تماما إلى الإرادة السورية، ليس فقط فى إعادة انتخاب لحود، لكن فى كل المجالات كان عليه أن يتماشى مع ما تنظر إليه سوريا من خيارات، مشيرا إلى أن دمشق كانت تخرج فى نظر الحريرى ونحن، من شئ من الوفاق العربى إلى المحور الخاص مع طهران وأصبح لها حليف أساسى فى لبنان على حساب الحلفاء الاخرين وهو حزب الله.
وأكد أن الحريرى كان قلقا لكنه كان رجلا مؤمنا. كان يخشى على وليد أكثر لأن الحريرى كان يعتبر أن هناك نوعا من خيمة دولية وعربية تحميه وأن علاقاته وشخصه قد يكون رادعا للنظام السورى أو لغيره فى لبنان أو أى تنظميات تفكر باغتياله بأن يقدموا على بذلك".
سئل: هل جوابك يحمل ضمنيا المعنى أن جنبلاط لا يتمتع بنفس الحماية؟.. أجاب: "ليس لجنبلاط نفس العلاقات الدولية، لكن لديه حماية مناطقية وإقليمية اسمها الطائفة الدرزية وهى اساسية. عدددها قليل لكن نفوذها السياسى ونفسية أهل الجبل فى الدفاع عن مناطقهم وزعمائهم معروفة عبر التاريخ، وهذا ما جرى على مر التاريخ أن هذه الطائفة محورية ومؤسسة للبنان ومن حماة الدولة العربية عبر التاريخ".
و قال: عندما غادر الحريرى فى ذلك اليوم قال انه سيختلى ببعض الأصدقاء فى منزله الصيفى فى منتجع فقرا وأنه سيرسل من هناك الجواب لبشار الأسد عبر اللواء رستم غزالة، ولكن لم يقل لنا ماذا سيكون الجواب لكنه أخذ على محمل الجد نصيحة جنبلاط".
وأشار حمادة إلى أن الحريرى لم يتخذ أى قرار فى هذا اللقاء الذى عقد فى قصر جنبلاط ببيروت ، وقال: "سمع نصيحة جنبلاط، كان من الرؤساء النادرين، يستطيع رفع سماعة الهاتف ويتحدث مع أى رئيس فى العالم، مع الأصدقاء والخصوم ومع شيراك يوميا، كان صديقا للألمان والأسبان وغيرهم من الجو المتوسطى، فهو يستيطع أن ياخذ طائرته وبإنذار مسبق قصير يذهب لأى من رؤساء الدول المعنية فى الشؤون العربية، لأنه كان يتولى نيابة عن الدول العربية تحديدا سوريا عندما تقع مشكلة بين سوريا والدول"، مشيرا إلى أنه كان يتصدى لاتهام سوريا بأنها ترعى الإرهاب، وكان السوريون يطلبون منه ذلك.
وأشار حمادة فى هذا الصدد إلى أن الحريرى رتب زيارات سياسية دولية لدمشق ورتب زيارة لبشار الأسد تحديدا قبل أن يكون رئيسا إلى باريس وأصر على شيراك أن يحضر جنازة حافظ الأسد كمقدمة لفتح صفحة جديدة مع بشار الذى لديه نظرة شبابية".
وعما اذا كان الحريرى كان يلبى رغبة الولايات المتحدة وفرنسا، قال حمادة: "بشار الأسد كان قد تحسس كثيرا من عمق العلاقة مع فرنسا تحديدا، ومع الولايات المتحدة .
وعن قوله إن الحريرى كان زعيما للطائفة السنية داخل لبنان وخارجه بما فى ذلك سوريا... قال حمادة، فى سوريا لم يكن الأمر زعامة بكل معنى الكلمة، كان نفوذا ونوعا من الشعبية ظهر فى بعض المحال التجارية فى دمشق ما كان يثير حساسية السوريين ونفس الشئ بالنسبة لجنبلاط. ففى أحد المرات توجهنا إلى السويداء جبل الدروز فى سوريا لمناسبة دفن الزعيم الكبير للثورة العربية سلطان باشا وحملت سيارة وليد مع إطلاق الرصاص الشعبى، بعد ذلك لم يسمح لنا التوجه الى تلك المنطقة. ـما الحساسسة ضد الحريرى فكانت أكثر.
وقال إن سوريا منذ عام 1975 عند بدء الحرب الأهلية، كل مرة تشعر فيها ان قبضتها على لبنان بدات تضعف كانت تثير المشاكل التى تشمل الجميع، المسيحيون مع الفلسطينيين، السنة والدروز، وبعد ذلك المسيحيون فى ما بينهم ثم المسيحيون مع الفلسطيين واتهام المسيحيين بأنهم عملاء إسرائيل، طالت الاتهامات كل من يعارض السوريين وكانوا ينفذون ما يريدون على يد عملائهم فى لبنان، مشيرا الى التدمير المادى من تفجيرات وفتن واغتيالات وعمليات ثارية وأى شيء من الامور الموجودة فى قانون النظام السورى". حسب قوله.
وعن رأيه بنصيحة جنبلاط، قال حمادة: نحن حريصون على الأمن فى لبنان ونعرف قدرة السوريين وحلفائهم فى لبنان خصوصا بعض الأذرعة السورية وهى الوحيدة المسلحة فيما الاخرون من مسيحيين ومسلمين مجرودون من السلاح ويتبعون لسلطة الدولة. كنا نعلم أنه لا بد من استمرار المقاومة المدنية، لذا الانتخابات هى للتعبير عن رأينا وتوحيد الصف اكثر بين المكون المسيحى المجمع على الخروج السورى وسحب الميليشيات، والمكون الذى كان يضم السنة والدروز وجزءا من المثقفين الشيعة غير الخاضعين لحزب الله او حركة امل.
وقال إن الحريرى كان يريد تصحيح العلاقة مع سوريا وكل هذا يستوجب انتخاب رئيس جديد للبنان وليس رئيسا خاضع كليا لسوريا وعبر أصغر الأدوات فى النظام السورى وامتداداته اللبنانية. كان يعتبر ان هذ ا المفصل سيكون فاتحة لاكثر علاقات ولاعادة تموضع الجيش السوري. لم يطلب الانسحاب السورى من لبنان فورا، حتى جنبلاط. وبيان اللقاء الديموقراطى طلب إعادة التموضع لا الانسحاب لاننا لم نرد ان نصل الى تفجير الاوضاع فى لبنان".
وأشار إلى أن تعديل الدستور للسماح للحود بإعادة الترشح مر فى جلسة مجلس الوزراء اللبنانى خلال 10 دقائق.
وأعلن أنه "بعد مجلس الوزراء سافر الحريرى الى سردينيا، وتعرض هناك لحادث كسر فى ذراعه بسبب انخفاض ضغط الدم وسقوطه. وامضى فترة العلاج خارج لبنان".
وقال: "كان هناك سباق بين التمديد للحود وإقرار القرار الدولى 1559 الذى يدعو لانسحاب الجيش السورى من لبنان فسوريا كانت تفرض على لبنان دستورا جديدا"، مؤكدا "اننى بدأت أعرف بالقرار 1559 قبل أيام من إقراره".
سياسى لبنانى أمام المحكمة الدولية: الأسد هدد الحريرى بتدمير لبنان على رأسه
الأربعاء، 19 نوفمبر 2014 08:21 م
رفيق الحريرى رئيس وزراء لبنان الأسبق
بيروت (أ ش أ)
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة