من أبرز ما كان يحرص عليه المصريون القدماء عبر آلاف السنين، هو تخليد الجسد، لذلك، سخروا جهودهم، للتوصل إلى وسيلة علمية تمكنهم من تحقيق هدفهم، وتمكنوا من التوصل إلى «التحنيط»، فتركوا لنا مومياواتهم، لتكون شاهدا على قدراتهم الجسدية.
إذن، نظرية «التخليد»، والإصرار على البقاء فى «لب» المشهد طوال الوقت، دون مراعاة الاعتراف بعوامل تعرية الزمن سواء فى المحيا أو الممات، نظرية مصرية خالصة، لذلك لا غرابة أن تجد المتصدرين للمشهد حاليا، الدكتور كمال الجنزورى، والسيد عمرو موسى، والأستاذ محمد حسنين هيكل، وجميعهم، من الذين لديهم إيمان بنظرية «التخليد» فى العمل السياسى، رغم أعمارهم المجيدة التى تبدأ من الثمانين عاما، وحتى منتصف التسعين عاما.
هؤلاء، ونظراؤهم، بدلا من أن يجلسوا مع أحفاد، أحفاد، أحفادهم، ويستمتعون بما تبقى لهم من أعمار «مجيدة»، ويذهبون للمنتجعات السياحية، تشبثوا بإصرار عجيب، على تصدر المشهد والاستحواذ عليه كاملا، فى محاولة منهم لتطبيق نظرياتهم، وأفكارهم المعلبة، والتى عفا عليها الزمن، وضررها، وآثارها الجانبية، أكثر بكثير من نفعها، عند التعاطى معها.
هؤلاء، يقبضون الآن بقوة، على البوصلة السياسية والاقتصادية فى مصر، ويتحكمون فى تحديد الاتجاه، بمنتهى الوطنية والنقاء والبراءة، قناعة منهم أن لديهم خبرات واسعة، ولابد للوطن الذى يمر بظروف استثنائية فى تاريخه، أن يستفيد منها، وهو أمر مقبول ويمكن تفهمه انطلاقا من المصلحة الوطنية، ونقاء المقاصد، ولكن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.
الأفكار والرؤى والطرح، لابد أن تتسق تماما مع متغيرات العصر ومتطلباته، وما حدث مع بداية الألفية الثالثة من ثورة تكنولوجية جبارة، ومتغيرات وأحداث قلما تحدث كل نصف قرن، من حراك سياسى وثورى ضخم، فاق كل التصورات، وقلبت كل النظريات السياسية، يختلف التعاطى معها كلية، مع النظريات التى درسها وعاشها، الثلاثة المبجلون، هيكل والجنزورى وموسى.
الضرورات، تقتضى أن نشكر هؤلاء على «حُسن» مقاصدهم، والابتعاد عن صدارة المشهد، وإسقاط نظرية تخليد الأجساد، مع تعظيم دور العقول، ذات الخيال الخصب، والقدرة على التفكير خارج الصندوق، التى تحتاجه مصر حاليا لإنقاذها مما آلت إليه. الدليل أن الجنزورى وعمرو موسى أثبتا فشلا ذريعا فى التوصل لأى تحالف انتخابى يخوض انتخابات البرلمان القادم، ومن المتوقع سلسلة طويلة الحلقات من الإخفاقات ستستمر فى حالة تصدر هؤلاء المشهد.
انتبهوا يا سادة .. نحن نعود بقوة إلى الخلف، فكريا، وسياسيا واقتصاديا، وليست أنظمة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة