أكرم القصاص - علا الشافعي

د. محمد على يوسف

بدلا من دفن الرؤوس فى الرمال

الخميس، 20 نوفمبر 2014 11:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعد الأورام السرطانية من أخطر الأمراض التى تهاجم جسد الإنسان بشراسة وتعتبر من أهم أسباب هلاكه، ليس فقط لقسوتها وسرعة انتشارها فى الجسم، ولكن لسبب آخر مهم يُرجع إليه البعض وصف تلك الأورام بالخبث. إنه مرض يجيد التخفى بشكل مدهش يخفيه عن المريض المسكين الذى ربما لا ينتبه لوجوده إلا بعد أن يكون الأوان قد فات، وتمكن المرض من الجسم وصعب استئصاله أو القضاء عليه. طبعا البداية الحقيقية لعلاج هذا المرض تكون فى التعرف على وجوده والانتباه إلى مكانه ومدى انتشاره داخل الجسم، لكن تخيل لو أن مريضا قرر ألا يعترف بوجود المرض. تخيل لو أن مريضا هاجم الطبيب الذى نبهه للمشكلة واعتبره طرفا فيها وحمّله مسؤولية تنغيص حياته بتحذيره من احتمالية وجود المرض وتعكير صفوه بذلك التنبيه والتحذير. تخيل لو أنه رفض الانتباه وقرر أن يدس رأسه فى الرمال وأبى أن يسعى لاكتشاف حقيقة إصابته بهذا المرض العضال، وبالتالى فقد فرصة علاجه أو استئصاله.. مشكلة كبيرة أليس كذلك؟!
البعض للأسف يعيش هكذا ويتعامل بهذا المنطلق مع من ينصحه وينبهه لوجود خلل ما، بل يعتبر أن النصح المطلق من خلال بيان مواطن الخلل والتحذير من الأنماط السلبية والأمراض الخفية التى تجتاح جسد الأمة من حيث لا تشعر هو انشغال بعيوب الناس وتنغيص لعيشهم وتعكير لصفوهم، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك. إن كان فى النصح التحذيرى تنغيص لحياة البعض وإظهار لشىء من مواطن الخلل فإن إبرازها بشكل صريح يساعد بشكل أو بآخر على اجتنابها وينبه من ينطبق عليهم شىء من تلك الخصال ويلفت نظرهم إلى أن ثمة مشكلة، وهذا أول طريق التغيير والعلاج، وذلك منهج قرآنى متقرر ومتكرر. لو أننا تدبرنا آيات سورة التوبة كمثال لوجدنا لفظ «ومنهم» قد تكرر كثيرا فى تلك السورة والناظر بعين التدبر لما بعد هذا اللفظ سيجد فى كل مرة صفةً من صفات المنافقين ونمطا متكررا من أنماطهم الحياتية وسلوكياتهم التى تُتبين منها حقيقتهم، كل صفات المنافقين تقريبا ذكرت فى هذه السورة ولم يكن متبقيا، لكن تُذكر أسماؤهم وكناهم، قد يقول قائل: هؤلاء منافقون فما شأننا نحن بذلك.. إجابة ذلك التساؤل تظهر فى تعامل الصحابة - رضوان الله عليهم - مع تلك الآفة التى نضرب بها هذا المثال التوضيحى.. آفة النفاق.
لم يدس الصحابة رؤوسهم فى الرمال ولم يتعاملوا مع هذا المرض العضال والنمط البغيض على أنه مخصوص بطائفة معينة عليهم الحذر منها وحسب، لكنهم تفاعلوا مع تلك النصوص وأدركوا أنهم - على مكانتهم - ليسوا بمعزل عن تلك الخصال، ولقد تلقى الصحابة تلك الرسالة وتفاعلوا معها تفاعلا واضحا فلم يتغافلوا أو يدسوا رؤوسهم فى الرمال بل انتبهوا وخشوا على أنفسهم جدا تلك الخصال. يقول ابن أبى مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبى كلهم يخشى على نفسه النفاق، ولقد كان سيدنا عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - حريصا على تبين حاله وكان يسأل حذيفة - رضى الله عنه - وهو من ائتمنه الرسول على أسماء المنافقين، فكان يتحرى أن يتبين منه قائلا: أوسمانى لك رسول الله؟
عمر الفاروق وزير رسول الله وصاحبه يسأل خائفا على نفسه من النفاق بينما يأمن كثير من الناس اليوم تمام الأمن من تلك الآفة، ويظنون أنهم بمعزل عنها. عندما نتأمل تلك الآيات التى تتحدث عن آفة من الآفات أو سلوك مرفوض مستقبح فلا ينبغى أن نتعامل معها من منطلق المعلومات العامة أو الشأن الغابر لطائفة خيالية. الصواب أن نتعامل مع تفصيل تلك الأمراض القلبية والسلوكيات العملية بمنطق المنتبه المحاذر الذى يسعى بصدق للوقاية منها أو للعلاج إذا كان ممن أصيبوا بشىء منها، وأن يتعامل كذلك مع من ينبهه لتلك الآفات على أنه طبيب حريص وناصح أمين حريص عليه بدلا من التغافل والإنكار والإصرار على دفن الرؤوس فى الرمال.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة