عندما كتب جورج أوريل روايته الشهيرة 1984 كان يوجه انتقاده للنظام الشيوعى فى الاتحاد السوفيتى، حيث المواطن مراقب طوال الوقت من «الأخ الأكبر»، ويسير ويعمل ويعيش وينام وكل همسة من همساته تحت الرقابة.
انهار الاتحاد السوفيتى وخرج من الحرب الباردة، وبقيت الولايات المتحدة هى القوة الوحيدة. وبقى الأخ الأكبر موجودا، ليس فقط فى النظم الشمولية، بل للمفارقة فإن الولايات المتحدة هى الأخ الأكبر الذى يراقب الجميع، حاكمين ومحكومين. ذهب الاتحاد السوفيتى وبقى الأخ الأكبر، لكنه هذه المرة كونى يراقب ويتابع ويحدد أمزجة الناس وطريقتهم فى الحياة.
والأخ الأكبر هنا اختيارى وليس إجباريا، ولم تعد أجهزة الأمن الكونية تحتاج لتركيب كاميرات ولا توصيل أدوات تنصت، فالمواطن العالمى يصطحب معه بل يشترى أدوات التنصت ويدفع ثمنها. وكل من يمتلك جهاز «كمبيوتر أو لاب توب أو أى فون أو باد» هو بالفعل خاضع للرقابة طوال 24 ساعة، وليس المواطن العادى فقط بل أيضا الزعماء، حيث تنصتت الولايات المتحدة على موبايلات أهم زعماء العالم. ولم تتوقف المراقبة على الخصوم والأعداء لكنها امتدت لحلفاء الولايات المتحدة.
ومن خلال تحليل عمليات البحث والمتابعة والفرجة ومواقع التواصل فيس بوك وتويتر ويوتيوب فضلا على المكالمات والتحركات، فإن جوجل يمكنه أن يرسم تصورا للمواطن، مزاجه وشكله وما يحب وما يكره، ناهيك عن أنه يقدم له الإعلانات التى تناسب شخصيته وسلوكه. وإذا ما كان فرحانا أو حزينا أو ما يحب وما يكره.
ولم تعد الولايات المتحدة فى حاجة إلى «شرطة الفكر» التى تبحث فى النوايا. فالأدوات التى تمتلكها المواقع ووسائل التحليل تعرف أكثر، تعطى الولايات المتحدة وأجهزتها تصورا كاملا عن الشخص فى أى مكان بالعالم، ويمكنهم تحديد مكانه ووضعيته. وقد طورت أجهزة الاستخبارات الأمريكية بعد 11 سبتمبر برامج لمتابعة ومراقبة المطلوبين، لكن التطور الطبيعى لأدوات البحث والاتصال منح الأجهزة فى العالم هدايا مجانية، يدفع فيها المواطن ثمن مراقبته. لكن هذه الأدوات فى الواقع تراقب وتتابع وتعرف، بينما المواطن حر ويفعل كل مايريده بكل حرية ومن دون ضغوط، وهذا هو التطور الطبيعى للأخ الأكبر العالمى.
وكلما تطورت أدوات الاتصال والبحث وامتلك المواطن العالمى أجهزة أحدث، كان قابلا للمراقبة وتابعا لإمبراطورية الأخ الأكبر الذى يعرف نواياه ومزاجه وشكله وأصدقاءه، وكل الأسرار التى تتعلق بحياته. وهو تطور للأخ الأكبر الذى انتقل من الاتحاد السوفيتى لأمريكا، وأصبح فى جيب المواطن وبفلوسه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة