يظل القضاء المصرى الشامخ حارس العدالة وأحكامه عنوان الحقيقة، خاصة فى الأزمنة الملتبسة التى تعلو فيها الأصوات ويتراجع فيها صوت العقل، وتتقدم الديماجوجية ويتقهقر المنطق، ولعل أبرز مثال على ذلك هو حكم القضاء الإدارى بوقف قرار رئيس الوزراء بمنع عرض فيلم حلاوة روح. لا أعلم الدوافع الحقيقية للمهندس إبراهيم محلب والتى دفعته لاتخاذ قراره بوقف عرض فيلم «حلاوة روح» ومن من مساعديه أمده بالحيثيات والمعلومات التى استند إليها فى قراره، وأعلم أن جهات محددة دفعت إلى تشويه الفيلم وتضخيم ما به من جرأة فى التناول حتى تضع الحكومة فى مزنق اتخاذ قرار خاطئ يجلب عليها الانتقاد، أو تلتزم الصمت استنادا إلى أن الفن والإبداع عموما لهما أربابهما الذين يقيمون ما يصلح للعرض من عدمه، وفى هذه الحالة يخرج المحرضون زاعمين أن الدولة تحارب الإسلام والمسلمين وتنشر الخروج على الآداب العامة.
هكذا كان المخطط ووقعت الحكومة ورئيسها فى المحظور، واتخذت قرارا بمنع الفيلم حتى لا يزايد عليها أحد، وحتى تضمن السيطرة على مجتمع فى حالة من السيولة والتخبط ويغيب فيه المنطق الحاكم ويمكن أن تأخذه الشائعات فى كل اتجاه، ناهيك عن الحرب الإعلامية الموجهة من دول معادية تصطاد فى المياه العكرة لتأليب الناس.
من وجهة نظرى، كان على رئيس الوزراء أن يتخذ قرارا بالمواجهة وحماية الحريات، لأن الاعتداء عليها يبدأ ولا ينتهى، كما أن المبررات دائما جاهزة وتحت الطلب، وعندما احتج صناع الفيلم ووراءهم المبدعون من جميع المجالات، خوفا أن يمتد خط الحظر والمنع إلى آخره، كان على رئيس الوزراء أن يتراجع عن قراره الإدارى وأن ينزل إلى رأى أهل الفن والإبداع صونا للقيمة الأعلى وهى حرية الإبداع، لكنه أيضا لم يفعل. الآن، انتصر القضاء للحريات، وقال الكلمة الفصل وألغى قرار رئيس الوزراء منحازا إلى عرض الفيلم، وهو بالمناسبة لا يتضمن خروجا أو خدشا للحياء العام، بل إن الشارع المصرى يمتلئ بتجاوزات مرعبة تحتاج من الأجهزة الإدارية والتنفيذية أن تقف منها وقفة حاسمة، فعلى رئيس الوزراء وجميع الأجهزة التنفيذية إذن عدم الطعن على قرار القضاء الإدارى والسماح بعرض الفيلم فى هدوء، وهذا أضعف الإيمان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة