برحيل صباح فجر الأربعاء 26 نوفمبر 2014، تخسر السينما المصرية أكثر المطربات اللاتى ملأن شاشاتها بالبهجة والفرح والمسرة، فصباح منذ وصلت إلى القاهرة بدعوة من المنتجة آسيا داغر لتشارك فى بطولة فيلم «القلب له واحد/ 1945»، وهى تعد الأيقونة الأكثر فتنة للسينما الغنائية والاستعراضية، فقد شاركت فريد الأطرش ومحمد فوزى وسعد عبدالوهاب وعبدالحليم بطولة أفلام مترعة بالشقاوة والفكاهة وخفة الظل، كما لعبت أدوارًا مهمة فى أفلام أخرى اجتماعية وبوليسية، ومن ينسى «بلبل أفندى/ أختى ستيتة/ إزاى أنساك/ الآنسة ماما/ ثورة المدينة/ شارع الحب/ العتبة الخضراء/ مجرم فى إجازة/ الرجل الثانى/ الرباط المقدس/ الأيدى الناعمة» وغيرها، فضلا عن الأفلام التى قامت ببطولتها فى لبنان إثر تراجع الإنتاج السينمائى فى مصر، عقب هزيمة 1967، ويقال إن رصيدها فى بنك السينما بلغ 83 فيلمًا.
جاءت صباح من بلاد الأرز محملة بالنسيم العليل وطزاجة الروح، فالمنتجة آسيا داغر تدرك تمامًا - بذكائها الفنى وحسها التجارى - أن السينما المصرية فى حاجة إلى وجه جديد، بعد انتهاء سنوات الحرب العالمية الثانية.. وجه يشع بالحلاوة ويمجد الحياة، بعد أن سادت أخبار الموت جرّاء الحرب.. وجه يعلن للمصريين أن الحياة حلوة تستحق أن تعاش برغم الغارات والقنابل والصواريخ!
هكذا إذن استقبلت السينما المصرية الفتاة ذات الثامنة عشر ربيعًا، إذ أسندت لها بطولة أول أفلامها «القلب له واحد»، الذى حققه بركات عام 1945، وشاركها البطولة أنور وجدى، وعلى الفور تهافت عليها المخرجون والمنتجون، رغم أن آسيا تعاقدت معها على ثلاثة أفلام دفعة واحدة.
تجلت صباح بشكل واضح فى الأفلام الاستعراضية التى شاعت مع نهاية الأربعينيات وحتى منتصف الخمسينيات تأثرًا بالسينما فى هولويود فى ذلك الوقت، ونجومها فريد إستير، وجين كيلى، وإستر ويليامز، وهكذا رأيناها تغنى مع فريد الأطرش ومحمد فوزى فى «بلبل أفندى/ إزاى أنساك/ الآنسة ماما/ ثورة المدينة». فى هذه الأفلام تلوح لنا صباح فتاة جميلة ذات وجه بشوش وقوام أنثوى طازج، وصوت يشع بالطرب والحلاوة، أما أداؤها التمثيلى فيتصف بالتلقائية والدلال والبراءة.
لكن مع مرور الزمن وتطور فنون السينما، تمكنت صباح من تطوير أدائها السينمائى كما لاحظنا فى فيلمى «شارع الحب/ الرجل الثانى» اللذين أنجزهما عز الدين ذو الفقار.
فى الفيلم الأول لاحت صباح امرأة كاملة الأنوثة.. تعشقها الكاميرا فتبرز مفاتنها وتفخر بأناقتها.. كما تهوى هى العبث والمناكفة مع قرينتها، لكنها تقع فى غرام عبدالحليم، فيأكلها الندم لأنها جرحته وعبثت بمشاعره. تأمل حالاتها النفسية المتنوعة بين العبث والعشق والندم، لتكتشف أنها حملت بين ضلوعها موهبة تمثيلية متميزة ومقبولة.
كذلك الأمر فى فيلم «الرجل الثانى»، إذ يحتفى بها المخرج، ويفجر طاقات التمثيل داخلها، ولعلك تذكر كيف تلقت خبر مقتل شقيقها، وكيف تعاملت مع هوس رشدى أباظة ورغبته المتأججة، وكيف عبرت عن شعورها بالأمان تجاه صلاح ذو الفقار.
باختصار شديد.. صباح كانت أيقونة السينما المرحة.. البريئة.. الدافئة.. الجميلة.. فليرحمها الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة