فى طريق رحلة الحياة، دائمـًا ما نلقى نماذج من بشر يتمسكون بانتصارات الماضى، أو بمشكلاته وإحباطاته، وغالبـًا ما نجدهم متعثرين، تائهين، تعوقهم ذكرياتهم التى يحملونها داخلهم عن أن يحيَوا الحاضر وأن يعملوا من أجل المستقبل. وهم دائمـًا يحملون آلامـًا يعيشون أتعابها من ذكريات سعادة ومجد ضائع، أو ذكريات تجارب أليمة، وهم فى الحالتين قد توقفوا عند زمن لا رغبة لديهم فى اجتيازه!
من أجل هٰذا ينبغى لهؤلاء أن نقول: دَع الماضى فقد عبر الأمس، وقد منحك الله يومك وغدك فلا تضيعهما. وقد أدرك العظماء والناجحون فى الحياة هٰذه العطية الربانية؛ فيقول آلبرت أينشتاين: "ما يهمنى أكثر من الماضى هو المستقبل، حيث إننى أنوى العيش فيه". لذا، دَعك من التركيز فى الماضى أو التطلع إليه مترددًا بين الحين والآخر، بل ضَع نصب عينيك حاضرك تصوب فيه أخطاءك الماضية، أو تنمى فيه نجاحات قد حققتها، أو تسعى للوصول إلى مزيد من الإنجازات. فمن يتقدم إلى الأمام لا ينظر إلى الخلف إلا بعين الاعتبار للتعلم؛ فقد قيل: "دَع الماضى يمضى وأحاديث الناس تمضى. فهل سمعتَ بشخص ربِح سباقـًا وهو ينظر خلفه؟!" نعم، ففى الحياة نحن نسير طريقـًا نجد أن بعضـًا منه سباق مع: أنفسنا، أو الآخرين، أو الزمن. وفيما أنت تستعد لخوض السباق لإكمال إنجازاتك، دَع ما مر بك يمضى آخذًا منه دروسـًا تُفيدك فى أيامك القادمة؛ ففائدة الماضى الوحيدة التى تستطيع أن تعيشها اليوم هى أن تتعلم منه. واحترس لئلا تخسِر الدرس فيتأثر غدك سلبـًا؛ فقد قيل: "من لا يتعلم من الماضى لن يرحمه المستقبل".
واسمح لى، يا عزيزى، أن أتسائل: هل لإنسان أن يحقق نجاحـًا فى الوقت الذى هو يحصر فيه أفكاره فى دائرة الماضى؟! هل له أن يعود إلى ذلك الماضى يحياه تاركًا حاضره؟! حتى الآن لم أسمع بإنسان استطاع أن يفعلها! لهٰذا، لا تجعل عقارب ساعتك تتوقف عند زمن ما، بل اكتسب مما مضى خبرات تعمل بها لحاضرك الذى سيصبح بدوره ماضيـًا يُعد لك مستقبلك! ولا تحزن على ما مر، بل ليكُن لك الأمل فى الله أنه قادر أن يقدم لك حاضرًا ومستقبلـًا مشرقين بإخلاصك وأمانتك فى هبته اليومية لك: الحياة.
املأ يومك بإشراقة الأمل والثقة بالله. فكِّر وخطِّط واستعد للعمل بكل طاقتك وإمكاناتك شاكرًا الله. تأهب لمقاومة الصعاب والتصدى للمشكلات، وحينئذ تكون قد رسمتَ ـ كما قيل: "مستقبلـًا ترغب فى أن تحياه، بدلًا من أن تعيش ماضيـًا تحاول أن ترمم بقاياه". فامتد إلى ما هو قدام ولا تيأس؛ فمَن من العظماء كان يُدرك أنه سيقدم إلى المستقبل والحياة ما قدمه؟!
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة