«أنا شيعى كنت أتمنى أن أذهب لصناديق الاقتراع ولكن المنطقة التى أسكنها حرموا فيها الاقتراع، ولو ذهبت لأى مركز عام آخر لأدلى بصوتى سيتم الانتقام منى وقد يحرقون سيارتى أو يؤذون أبنائى وأهلى فلذا لم أذهب خوفاً، فأنا بين فكى رحى الجماعة الشيعية فى منطقتى والحكومة التى لن تستطيع أن تحمينى منهم» كانت تلك الكلمات جزءا من حوار دار بينى وبين مواطن بحرينى يوم الانتخابات البرلمانية التى أجريت منذ أيام، وأجريت جولة الإعادة أمس فى 36 دائرة لاختيار 40 نائبا للبرلمان وأعضاء المجالس المحلية.
البحرين الجزيرة الصغيرة التى تحدها غربا السعودية وتبتعد شمالا عن إيران بـ200 كيلو متر فقط تحاول بهذا الاستحقاق الانتخابى أن تبدأ مرحلة جديدة بعد أحداث سياسة جسام طالتها منذ عام 2011 حيث شهدت البلاد اضطرابات ومظاهرات تتسم بالعنف تحركها جماعة الوفاق الشيعية، وربما تأتى هذه الانتخابات البرلمانية لتعلن بها البحرين وقيادتها أنها مصرة على استكمال مسارها نحو التغيير والإصلاح، والانتخابات مجرد بداية وليست كل الطريق.
تقول بعض التقارير الغربية، إن الطائفة الشيعية تمثل أكثر من %70 من الشعب البحرينى، ورغم هذا فإنهم يتعرضون للتهميش والقمع ورغم أنه ليس هناك إحصاء مؤكد حول نسبة الشيعة للسنة فإن الحكومة تؤكد أنهم لا يتعدون %40 من نسبة الشعب البحرينى، وبغض النظر عن النسب، فالأزمة فى البحرين ليست أزمة مع المذهب الشيعى بدليل أن وزيرة الإعلام والمتحدثة باسم الحكومة السيدة سميرة رجب شيعية المذهب، ولكن الأزمة الحقيقية مع المعارضة التى تتخذ من ولاية الفقيه ديناً لها والفقيه هنا هو إيران والملالى وهؤلاء ينادون بقومية فارسية لا عربية.
ولعل الانتخابات الأخيرة دليل على حجم المعارضة الشيعية التابعة لولاية الفقيه وليس على حجم أصحاب المذهب الشيعى فى البحرين فقد بلغ حجم المشاركة %51.5 من نسبة الناخبين مما أطاح بدعوات تصفير صناديق الانتخاب، حيث إن كل دعوات المقاطعة المسلحة بالفتاوى الدينية والإرهابية لقاطنى المنطقة الشمالية من قطع طريق وغيره لم يتعد حجمها %16 لأن نسبة المشاركة فى انتخابات عام 2010 كانت %67 بمشاركة المعارضة، أى أن المعارضة لا تمثل إلا %16 وقد لا تعد هذه نسبة كبيرة فى دولة ذات كثافة سكانية كبيرة، ولكن فى حالة البحرين التى لا يتعدى مواطنوها المليون فإنها بلا شك تصبح ذات أثر، غير أن أزمة المعارضة البحرينية، وإن تدثرت بالمطالبة بالحريات والديمقراطية أن ولاءها وكون مرجعيتها هى إيران التى تلعب فى المنطقة لعبتها الطائفية وتكاد تبتلع العراق وتسيطر على الموقف فى سوريا لا يجعل من عربى يؤمن بالمواطنة أن يتعاطف معها وحتى وإن تعاطف معها فإنها بانسحابها من العملية الانتخابية التى تمثل حجر زاوية فى طريق الديمقراطية وإرهابها لبعض أهالى المناطق المختلفة لكى يمتنعوا عن التصويت سيجعلها فى موقف أضعف من مجرد نسبتها، ولن يبقى لها إلا بعض جمعيات حقوق الإنسان الغربية وإيران التى تخرج كل لحظة المتحدثة الرسمية للخارجية الإيرانية مرضية أفخم بتصريح تدين فيه تصرفا للحكومة البحرينية والسلطات الأمنية بها.
حين سافرت لدولة البحرين أتابع فيها العملية الانتخابية كنت أدرك تماماً أبعاد الموقف السياسى الرسمى البحرينى، كما الموقف العربى بكل تعقيداته، ولكن معايشة تفاصيل العملية الانتخابية ربما دفعتنى لتذكر الحالة المصرية، فرغم اختلاف الجغرافيا والتاريخ بين مصر والبحرين فإن هناك توافقا إن لم يكن تطابقا بين آليات المعارضة التى ترفع المصاحف على أسنة الرماح مرة بعنوان سنى ومرة بعنوان شيعى وهى وإن اختلفت المذاهب ما بين فقيه أو مرشد فإنها بالتأكيد لا تتبع فكرة الدولة وحدودها وهمومها المحلية، وإن استغلوا الهموم المحلية للمواطن فى محاولة الوصول لكرسى الحكم.
من المؤكد أن البحرين تعانى من كثير من المشكلات فهى ليست الدولة النفطية الغنية برغم وجودها فى محيط نفطى غنى ولكنها حاولت أن تكون مركزا ماليا مهما لأعمال البنوك فى المنطقة كما أنها تحاول تنمية مواردها من صيد وسياحة واقتصاديات أخرى فطبقاً لتقرير صدر عام 2006 عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا فإن البحرين كان لديها أسرع نمو اقتصادى فى المنطقة العربية، ورغم هذا فإنها بالتأكيد تعانى من عديد من المشكلات، وبالتأكيد فإن الحالة المصرية فى اقتصادها وتعدادها ومشاكلها أكثر تعقيدا من الحالة البحرينية، ولكن يظل أن شكل المعارضة السياسية الإسلامية واحد وإن اختلفت المذاهب، شيعة البحرين المعارضة يتبعون الملالى ومن يختلف معهم كافر ولا قومية لهم إلا الفارسية، جماعة المسلمين المعارضة يتبعون مرشدهم ومن يخالفهم يكفرونه وهم سدنة الإسلام وغيرهم فى ضلال، ولا قومية لهم إلا دولة الخلافة حيثما كانت.
البحرين تشبه مصر كما عرفناها المتسامحة الحاضنة لديانات أبنائها على اختلافهم فكما تؤذن المساجد فى المنامة، تدق أجراس الكنائس، وحتى يهود البحرين وهم لا يتعدون أصابع اليد الواحدة منهم سفيرة تمثل بلادها فى الخارج فهدى نونو سفيرة البحرين فى واشنطن وأليس سمعان المسيحية سفيرة البحرين فى لندن، وهى بذلك تعد استثناء فى منطقة الخليج ورغم هذا فإن المعارضة فى كلتا البلدين اتخذت منحى طائفيا دينيا، مما يدعم نظرية المؤامرة أكثر من نظرية وجود معارضة وطنية حقيقية.
وربما تبدو نتائج الانتخابات حتى الآن مؤشرا على القوى السياسة الفاعلة فى الشارع البحرينى التى يوجد بها أحزاب يطلقون عليها مسمى جمعيات، فجمعية الوفاق الشيعية وهى أكبر جماعات المعارضة قاطعت الترشح، وبالتالى لم تكن موجودة فى المشهد بينما وصل من المستقلين 4 نواب ومن جمعية الأصالة السلفية وصل نائبان للبرلمان ولم ينجح مرشح واحد من جمعية المنبر التى تمثل الإخوان المسلمين، أما المرأة التى تمثل %10 من المرشحين فقد فازت واحدة بمقعد فى المحليات بينما وصلت تسع مرشحات للجولة الثانية للإعادة.
وفى حديث لهالة الأنصارى الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة أكدت أن المرأة فى البحرين هى التى تمثل الصوت الأعلى والأكثر فاعلية فى الناخبين، ولكنها ما زالت كمرشحة تجد صعوبة فى الوصول لكرسى البرلمان حتى من أهل جنسها وكأنى كنت وأنا أسمعها أسمع كلمات رئيسة المجلس القومى للمرأة فى مصر.
وقف البحرينيون فى صفوف طويلة بالساعات وفى أيديهم علم بلدهم، كبارهم وشبابهم ونساءهم ورجالهم وحتى أطفالهم، يبحثون عن مخرج لأزمتهم التى يصنعها الساسة ثم يغيبون عند الحل، صناديق الاقتراع.
غابت جمعية الوفاق وانتصر المستقلون حتى الآن وغيب المنتخبون جماعة الإخوان وانتخبوا السلفيين والمرأة بحذر، نتيجة لو قرأها المحللون السياسيون سيدركوا أن الشارع البحرينى كالشارع المصرى لم يعد يثق فيمن يرفعون المصاحف على أسنة الرماح وأن الأحزاب السياسة عامة لم تعد قوة تدفع بأصحابها إلى كرسى البرلمان، وأن المستقل هو أكثر المرشحين حظاً، وربما تؤكد الجولة الثانية ما ذهبت إليه وأكثر.