أحمد الجمال

الفعل المقاوم يساند الفعل المقاتل

الثلاثاء، 04 نوفمبر 2014 11:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تمنيت بعدما انفطر قلبى وتفتت كبدى وتمزق حشايا على أبنائنا من ضباط وجنود قواتنا المسلحة الذين استشهدوا، أن ينكسر قلمى للأبد وأن أجد من يستدعينى للخدمة ثانية فى القوات المسلحة، وألبس الكاكى والبيادة وأحمل البندقية الآلية التى تدربت عليها زمان، ولا فرق عندى بين أن أقف زنهارا متيقظا مستعدا فى بؤرة الاصطدام مع الإرهاب، أو أن أقف حارسا على محطة كهرباء أو سد أو هويس أو محطة مواصلات وما شابه ذلك، وتذكرت القصيدة التى حفظتها فى المرحلة الثانوية لأبى تمام ومطلعها:
السيف أصدق أنباء من الكتب
فى حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف فى
متونهن جلاء الشك والريب
والعلم فى شهب الأرماح لامعة
بين الخميسين لا فى السبعة الشهب
ثم اكتشفت أن ما تمنيته وطالبت به على الهواء فى أحد البرامج لن يتحقق، لأجد نفسى فى معيته ثانية.. وأنه لا افتراق ربما للأبد.. إنه القلم.

ويكتشف المرء أن الكلمة تبقى ناقصة الأثر طالما ظلت بعيدة عن الانتقال للفعل، وفى زماننا ومكاننا الآن فإن الفعل نوعان: فعل مقاتل يقوم به جيشنا وشرطتنا، وفعل مقاوم يتعين علينا أن نقوم به، ليس على طريقة الذين يتنطعون فى مناورات السعى لركوب الموجة أو امتطاء الآخرين، وصولا إلى كراسى البرلمان أو مواقع السلطة ومنافذ الثروة، ومن أسف أنهم الطافون على سطح الحياة العامة الآن، ولكن على الطريقة التى علمنا إياها عبدالله النديم، الذى اندفع إلى جوف وطنه فاحتواه الريف والأحياء الشعبية، ليبقى النديم مقاوما حتى وهو فى المنفى!

ويجتهد المرء فى السعى بذهنه لتحديد أبعاد التحدى، الذى يتعين أن تكون الاستجابة فى مستواه.. وأقول بكل اطمئنان وثقة ومسؤولية: إن التحدى هو نجاح العدو الصهيونى فى استكمال ما بدأه الاستعمار الفرنسى والبريطانى من خطوات، لتصدير التناقض بيننا وبين الاستعمار بمرحلتيه القديمة «الفرنسية البريطانية»، والجديدة «الأمريكية الصهيونية الاستيطانية العنصرية»، إلى تناقض داخل مجتمعاتنا ذاتها، ومن هنا كان زرع جماعة الإخوان عام 1928، أى فى عز الفترة التى أراد فيها البريطانيون تكريس وجود العصابات الصهيونية، المرتبطة بالأسطورة التوراتية، واستمرار تغذية هذه الجماعة بكل مقومات البقاء، حتى تمكنت من أن تكون المفرخة، التى فرخت كل الحركات والتنظيمات المنحرفة بالفكر الدينى، ودعت إلى أن يكون للصراع ضد الصهاينة والاستعمار الإمبريالى وجه واحد هو الوجه الدينى، ومحو الأبعاد الوطنية والإنسانية والفكرية الثقافية والتحررية، وكان ذلك هو أقصى ما يتمناه العدو، لأنه يعلم تمام العلم ما يعلمه كل واعٍ وعاقل، أن الأمر سيتحول إلى استهداف الآخر فى الوطن نفسه، قبل استهداف العدو، وبذريعة أنه لن يمكن مواجهة العدو، ما لم يتم الإجهاز على من يعتبرون فسقة وزنادقة وعلمانيين، وإلى آخره، على النحو الذى نعيشه الآن!.

وبكل مسؤولية فإننى أقطع قطعا لا شك فيه، أن تلك التنظيمات والحركات إخوانا وغير إخوان، ينفذون بجهل شديد صميم المخطط الصهيونى.

هذا هو التحدى، ولذلك فإن الاستجابة تكون بالتصدى لذلك الاختراق والانحراف، بأن نبنى حوائط الصد الحضارية والثقافية فى سائر أرجاء الوطن!، وحوائط الصد فى نظرى تتجاور فيها اللبنات وتتوالى المداميك، وهى لبنات ومداميك شديدة القوة والمرونة التى تتجاوز فى متانتها سبائك الصلب والفولاذ!
وتعالوا نتأمل مدماكا تعود به الأذن المصرية لتتذوق مجددا، المزاوجة بين التراتيل الكنسية بصوت آل عياد، وبين الإنشاد بصوت مشايخنا على محمود وطه الفشنى وطوبار والنقشبندى.. ولتتذوق آذاننا مسيحيين ومسلمين عذوبة صوت مولانا الشيخ محمد رفعت، وقوة وعظمة صوت مصطفى إسماعيل، وتحليق عبدالباسط عبدالصمد، واذكر ما شئت عن الشيخ الصيفى وعبدالحكم والمنشاوى والشعشاعى وشعيشع، إلى آخر سلسال الحناجر الماسية والذهبية العظيمة. وتعالوا نتأمل مدماكا تمتزج فيه فنون النحت والرسم والموسيقى المصرية القديمة، مع مثيلاتها القبطية والترانيم الكنسية مع المنمنمات الإسلامية والتصاوير اللامتناهية لفروع وأوراق الشجر، وإيقاعات الذكر الصوفى ورفع الأذان السلطانى وتعشيقات الأرابيسك، الذى اشتهر بالأرابيسك!

وربما لا يعرف كثيرون أن «العرائس» التى تعلو جدران المساجد من الخارج هى صلبان مصرية، وأن المفروكة الإسلامية وما يتم تركيبه من تعشيقات خشبية على الأبواب امتداد للنجمة ذات الأربعة وعشرين ضلعا، التى تمثل الأربعة وعشرين قسيسا، الذين هم الاثنا عشر سبطا، أولاد يعقوب والاثنا عشر حواريا للسيد المسيح!

ولو ظللت أعدد مضامين اللبنات والمداميك فلربما استغرقت صفحات العدد كله، وغاية ما أود قوله هو أن لدينا رصيدا جبارا وثروة هائلة ومواد لا تنفد نبنى بها جدر الصد الحضارى والثقافى بطول مصر وعرضها.

ولقد نذرت جهدى للكتابة فى هذا المضمار، ولعل من يتابع مقالات «اليوم السابع» يلاحظ التركيز على بعض تلك المضامين التى أدمجها فى ذكريات تبدو ذاتية، ولكننى أضيف اليوم نذرا جديدا أو مضافا أو تكميليا، هو أن أدعو وأساهم فى كل ما من شأنه تأسيس وبناء هذه الصروح الحضارية والثقافية، والانطلاق إلى أعماق الوطن مع من سيقبل المساهمة فى هذه المهمة، مثلما فعل الشعب الإسبانى عام 1898 وسميت حركته آنذاك بحركة 98، عندما كانت إسبانيا منهارة ومتهالكة، وتعتبرها أوروبا عبئا عليها، وعندها دعا مجموعة من الوطنيين الإسبان لحركة نهوض تنزل إلى الأقاليم البعيدة والقريبة، وتفتش عن الموهوبين فى كل مجال وتجمعهم وتتيح لهم فرص الإبداع والاختراع والعطاء، وما هى إلا فترة لم تتجاوز العقدين حتى تماسكت إسبانيا ومضت فى طريقها، وأعطت أوروبا أفواجا من المبدعين فى الشعر والرواية والرسم والموسيقى والعلم.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة