قال لى ناقد أدبى كبير، يتعالى على الغناء الشرقى، إنه عاتب على لأننى قلت إن الغناء فى القرن العشرين هو ديوان المصريين وليس الشعر أو الرواية، وقال لى أيضا إن هذا الغناء كان سببا فى تأخرنا، الرجل كان صادقا لأنه معزول عن الناس، ولم يتتبع ما فعله عباقرة الغناء والتلحين منذ نهاية القرن التاسع عشر، والذين أرخوا للوجدان الخام بعيدا عن المؤرخين والنقاد،كانت الأشواق لا حدود لها، ولم يكن ما تم إنجازه رغم ضخامته كافيا للتعبير عنها، وكان المصريون فى طريقهم إلى هدف نبيل، وفى الطريق كانوا يغنون لليل والنيل والورد والوطن والفجر والحصاد والدين والفرح والأسى.
كان هناك احتياج ملح للغناء، وللغناء معا، كان الملحنون يحملون على أكتافهم مسؤولية غامضة، وهى صياغة جمل لحنية يلتف حولها الناس ويجتمعون عليها، ويحملها صوتا يشبه أشواقهم ويعبر عن طموحاتهم، وكان شعراء الأغنية طيبى النية، ويتعاملون مع الجانب الفطرى والساذج والعميق فى الجمهور الذى يريد أن يشير له آخرون على كلمات ونغمات تشعره بأنه ليس بمفرده، وعندما قامت ثورة يوليو غنى الشعب معا، وكان متناغما، وظهر ملحنون ومغنون وشعراء وموزعون وموسيقيون جددا انتخبهم الشعب الذى طرد المحتل، ويحاول أن يؤكد للعالم أنه قادر على صنع المعجزات، وظل الغناء والتلحين وفن التلاوة والإنشاد الدينى فى حالة عظيمة إلى أن جاءت هزيمة 67 فأصيب الوجدان فى مقتل، سرعان ما بدأ يتعافى على أنغام العبور العظيمة، ولكن رأس المال الغشيم وانسحاب الدولة من المشهد أفسدا الحالة، وكان مطلوبا أن يغنى كل واحد على حدة.