لم يعد الصمت ممكنا.. كنت قررت الراحة بعد جراحة فى القلب.. وانتقلت من المعادى العسكرى إلى المستشفى الإيطالى، ولكنى اكتشفت أن أمراض النخب المصرية تؤلمنى أكثر من كل آلامى، وأن أخطاء الأطباء يمكن تداركها.. ولكن أخطاء معظم النخب لا يمكن تداركها إلا بـ«الكى» كما يحاول السيسى بحذر، قليلون من هم يمتلكون الرؤية، وكثيرون حولوا الانتهازية إلى منهج للحياة.
قبل أن نبدأ لابد أن نتطرق إلى وصف حالتنا:
أولا: كان العمر الافتراضى لعوامل الاندماج القومى للدولة المصرية قد انتهى منذ نهاية القرن الماضى «راجع دراسة سياسات الأديان للباحث البارز نبيل عبدالفتاح».
ثانيا: كان مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية قد أكد فى دراساته خاصة «الملل والنحل والأعراق» والمؤتمر الذى حمل ذلك الاسم «والذى شرفت بأن أكون منسقا له» الخطر القادم على الوطن العربى ومصر، والمخططات الخارجية وعوامل التفكك الداخلية، والتى ستؤدى إلى تقسيم الوطن العربى، أو أعمال الفيدرالية والديمقراطية، ولكن أصحاب نظريات القرن التاسع عشر، من القومجية والشموليين، شنوا حربا شعواء دون أى إدراك علمى أو حس سياسى.. وتحدثوا عن السبائك والنسيج الوطنى، والمخططات الصهيونية «التى لا ينكرها الباحث» ولكن فاتهم أن الجسم السليم لا يخترق بالأمراض، وبالفعل فى تلك الفترة «1990/ 2010» تم تقسيم اليمن مرة أخرى، وغزو العراق بمباركة عربية، وقسمت العراق، وفرض الأمر الواقع فى لبنان «التقسيم البارد» وبدأت مخططات الولايات المتحدة تطبق بإرادة عربية ومصرية «تحطيم الجيش العراقى، وشرعنة الحرب المذهبية بين السنة والشيعة، وتكوين محمية طبيعية للقاعدة وأخواتها، وبالطبع لا أحد يذكر فتح الإسلام فى طرابلس، وحزب الله فى الجنوب والبقاع، وتكوين القاعدة لجيش شبه نظامى فى الصحراء الأفريقية، وتمركز القاعدة فى اليمن، وزحف أنصار الشريعة فى ليبيا، وتمحور النهضة فى تونس.. إلخ، لأن هذه الكائنات الخرافية المسلحة لم تهبط من السماء، بل تكونت بإرادة سياسية بين الأنظمة الحاكمة والولايات المتحدة والإرهابيين أو بصفقات محلية كما حدث فى مصر مبارك، كما سوف نستعرض.
ثالثا: حدث فى مصر مبارك:
منذ أن تم الانقلاب البارد على الرئيس مبارك بعد 1993 على يد السيدة سوزان مبارك ونجلها جمال، وبدأت الأم وابنها فى إبعاد الرئيس والقوات المسلحة عن صنع القرار الوطنى، أصبح هناك ازدواجية فى الحكم، الرئيس مبارك والقوات المسلحة يرفضون قاعدة راس بيناس، ولجنة السياسات عبر عرابيها الأمريكيين يحاولون أن «يطرقوا الأبواب» لتقديم أنفسهم كبدائل للرجل العجوز ودق الأسافين بين القادة العسكريين الوطنيين المصريين والبنتاجون، وهنا تم استخدام الإخوان «كبعبع» للأمريكان ولإظهار الحاكم العجوز كشخص غير قادر على الحكم، وتم خلع أسنان صقور مبارك التقليديين «كمال الشاذلى وصفوت الشريف» والاستعانة بالعادلى وأنس الفقى وأساتذة العلوم السياسية لـ«خدمة الأمير الوريث»، وتمت أخطر صفقة لم يحلم بها الإخوان «التوريث لجمال مقابل التمكين للإخوان» وعلى أثر هذه الصفقة حصل الإخوان على الآتى:
شرعية برلمانية وسياسية: «88» نائبا، والأخطر هو حرية عمل الإخوان السياسية، واقتصاديا تمت الموافقة على حصول الإخوان على %55 من شركات الصرافة، %14 من شركات التصدير والاستيراد، %27 من تجارة التجزئة، وفى التعليم عاد أكثر من 500 مدرس للتدريس، وتمت الموافقة على أكثر من 300 بعثة دراسية لباحثين إخوان للخارج ما بين أمريكا والغرب، وتمكن الإخوان والسلفيون من حوالى %30 من الجمعيات الأهلية حصلت على %20 من التمويلات تحت سمع وبصر وتواطؤ الشؤون الاجتماعية التى سيطر على مقاليد الأمور فيها رجال العادلى والإخوان، وفى نفس الوقت كان أستاذى سعد الدين إبراهيم بموافقة من السيدة الحاكمة عبر أعضاء سابقين فى مجلس أمناء المركز «صاروا أعضاء فى لجنة السياسات» يقوم بعمل حوار بين الإخوان والأمريكان، ويقوم العرابون بمحاولة ساذجة لإرضاء الأمريكان تارة عن طريق «تمكين الإخوان من البناء الديمقراطى» وتخويفهم أيضا من صعود الإخوان للحكم، وبالطبع استفاد الإخوان استفادة عظيمة، أعادوا تنظيم صفوفهم خارجيا، صاروا أقوى من الخارجية عبر الباحثين الإخوانيين فى أكثر من 43 مركز أبحاث تشارك فى صنع القرار فى الغرب «فى أحد المؤتمرات فى لندن 2012 لمراكز الأبحاث، بحضور 53 باحثا، كان منهم 32 إخوانيا مصريا وعربيا وغربيا» واقتصاديا سيطر الإخوان على شركات الصرافة، وتمويليا صاروا أقوى من التضامن الاجتماعى «عجزت الوزارة بعد التجميد عن معالجة الموقف والصرف على عشرات الآلاف من الأسر رغم أن جماعات التنمية تشكل أكثر من %43 من الجمعيات التنموية المترهلة والتى يشارك أغلبها فى منظومة تحالف فساد مع إخوان التضامن والأمنجية» كل ذلك حذر منه الباحث ولا ننسى معركة الكاتب الكبير حمدى رزق حول وثيقة «فتح مصر» بعد نشرها فى المصور، كل ذلك حدث قبل 2011.
رابعا: بعد أن تمكن الإخوان من مفاصل الوطن من 1995 وحتى 2011، وقلمت السيدة سوزان والوريث وفريق عمله ما تبقى من دولة «سبق أن انتهت عوامل اندماجها القومى» لم يكن زلزال يناير2011 سوى القشة التى كسرت ظهر البعير.. مهما حاول «الجماليون والأمنجية العادليون» الحديث عن مؤامرة.. وإن صدقت هم الذين مهدوا الأرض لها.. ومهما تحدث الثوريون عن صفقة بين المجلس العسكرى والإخوان.. وهم من مكنوا الإخوان بعد خسارتهم وسذاجتهم.
خامسا: السيسى وإعادة بناء الوطن وترشيد المجتمع:
بعد 30 يونيو وتحالف المؤسسات التقليدية «الأزهر والكنيسة» والسلفيين «حزب النور» والليبراليين «البرادعى وحزب الدستور» والقوى الثوريةالشبابية «تمرد» تحت رعاية للجيش، فوجئ الرأى العام بانسحاب «انتهازى» للبرادعى، وانقسام تمرد.. وتمرد 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين والأولتراس.. تمكنت القوى الدينية «الأزهر والكنيسة والنور» من الحلف، وأصبح السيسى والقوات المسلحة والشرطة مكشوفين أمام الإخوان وسط انتهازية مفرطة مما يسمون أنفسهم القوى المدنية «حتى الوزير المحترم زياد بهاء الدين انحاز لضميره الخاص على حساب ضميره الوطنى ثم يحتجون على د. فايزة أبوالنجا» بمعنى لو كان زياد تحمل المسؤولية الوطنية واستمر فى الوزارة هل كان السيسى سوف يعين د. فايزة أبوالنجا مع احترامى لها؟ المجتمع المدنى والمدنيين بأمانة «أن جزء منهم يخطئون خطأ يرقى إلى حد التفريط فى الوطن والدولة لصالح الإخوان والمخططات الخارجية».
سادسا: باستثناء المصريين الأحرار.. لا أحد؟!
فى ظل هذه الحالة قامت اللجنة «الخمسينية الموسوية» بخلق دستور لخدمة (فدرلة مصر) عن طريق القوائم التى تمكن الطائفية والقبلية والجهوية والفئوية من الدولة الآيلة للسقوط «لاقدر الله» ويقوم أحمد شفيق ورجال لجنة السياسات بالوكالة عن الأقلية المالية لجمال مبارك بمحاولة السيطرة على البرلمان القادم عبر تكتلات مفضوحة ومكشوفة، والقوى المدنية «حتى التجمع» انحازت لتلك المكونات!! ولا أحد يتحاور على أسس سياسية إلا حزب المصريين الأحرار، الذى يهاجم من كل الاتجاهات حتى من جماعات مصالح داخلة «انحازت إلى أحد عرابى جبهة فرمونت».
سابعا: ما العمل؟
حالة أغلب القوى ما عدا المصريين الأحرار ينطبق عليها المثل الشعبى «إن وقع بيت أبوك خد لك منه قالب»، والرجل الحكيم كمال الجنزورى والذى يحاول أن يلم الخيوط وسط ضغط رجال الجنرال شفيق الذين شكلوا أكثر من تكتل «مصر بلدى، تيار الاستقلال، إلخ» على غرار لعبة الثلاث ورقات، وفى سياق ألاعيب ومخططات رأس الدستور الخمسينى عمرو موسى، يظهر لنا كالعادة «أحد عرابى فرمونت د. عبدالجليل مصطفى» ليستعين بمقربين من الكنيسة وبعض الأحزاب إياها لتقديم نفسه كبديل للدكتور الجنزورى، وسط هذه الحالة لابد أن تجرى الانتخابات التى سوف تنتهى إلى:
1 - إما حله بعد انعقاده بفترة وجيزة على غرار 2010 على أثر سيطرة فلول لجنة السياسات على الأغلبية واستعادة الحكم المفقود بوجوه جديدة.
2 - عدم حصول أحد على الأكثرية «الفلول والمصريين الأحرار والطائفيين والسلفيين والقبليين» والدخول فى عدم الاستقرار وعدم القدرة على تشكيل الحكومة على غرار الحالة اللبنانية.
3 - تقدم الرئيس شخصيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وعقد مائدة مستديرة مع ما وصل إليه د.كمال الجنزورى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، اللهم إنى قد بلغت اللهم فاشهد.