(1)
يطلب منا الرئيس المزيد من الصبر، وإن كان على الصبر فلقد اعتدناه واعتادنا حتى جعلنا منه لوحة تزين حوائطنا «الصبر مفتاح الفرج»، ولكن الخوف كل الخوف من مرحلة ما بعد الصبر، مرحلة اللا شىء بعد طول صبر وانتظار.
مرة أخرى مثل المرات الكثيرة التى سبقتها، نعلم يقينا أن جزءا كبيرا من الفوضى التى نعيشها على مستوى المدارس والمستشفيات والأداء السياسى الركيك، هو نتاج إرث سنوات مبارك الثلاثين الفاسدة، وكنا نود ألا يجعل الرئيس وحكومته وإعلامه من ذلك شماعة يعلقون عليها كل فشل أو كل كارثة.
طفولتنا انتهت وانتهت معها مرحلة اليقين بأن هناك عصا سحرية قادرة على حل كل المشاكل وصناعة المعجزات، مصر لن تصبح سويسرا فى سنة أو خمس أو حتى 10 سنوات، والسياسيون لن يتطوروا فى ليلة وضحاها، نعلم ذلك وننتظر ما هو أقل، ننتظر رئيسا يتعلم من أخطاء من سبقوه، ووزراء مثل التلاميذ الشطار يعلمهم التكرار، وأحزاب سياسية تخرج من بوتقة التحركات الديكورية والكارتونية إلى مرحلة الفعل الحقيقى على الأرض، ننتظر أداء سياسيا مختلفا يوحى لنا بأن من بعد صبرنا قد يأتى فرج، ونخشى من تكرار المأساة.. مأساة الأنفاس القصيرة التى تظل تلهث وتلهث وتعمل وتعمل ثم تصاب بالعطب حينما تجلس على كرسى المسؤولية وكأن المنصب كان مرادها وكفى.
(2)
قالوا حتى أصبح قولهم عقيدة: اللاعب المصرى نفسه قصير، يبدأ المباراة بشكل جيد، وحينما يقترب من صفارة النهاية، ينهار وتنهار معه النتائج، وأرجعوا ذلك إلى الاستهتار مرة، وإلى غياب ثقافة التحدى مرة أخرى، وفى الثالثة أرجعوها إلى الإمكانيات واللياقة البدنية..
س: هل تذكر برنامجا رياضيا واحدا لم يردح ضيوفه وهم يحللون تلك الظاهرة، ويستفيضون فى شرح الإجابات الخاصة بسؤال.. ليه نفس اللاعب المصرى قصير؟ ج: لا أذكر أن مذيعا لبرنامج رياضى، أنهى حلقته دون أن يناقش تلك القضية بعد الهزيمة من الجزائر أو البرازيل أو أمريكا، أو الخروج من بطولة أفريقيا، أو هزيمة منتخب اليد فى آخر دقيقتين، ولكن أذكر جيدا أن كل البرامج السياسية لم تقترب أبدا من طرح السؤال بصيغته المناسبة: ليه السياسى المصرى نفسه قصير؟، أو بمعنى أصح، لماذا يبدأ المظاهرات والثورات ويفشل فى إنهائها لصالحه؟، لماذا يؤسس لحركات سياسية وأحزاب ثم تموت قبل أن تتعلم الحبو، أو يعرفها 10 أشخاص فى الشارع؟، لماذا يعد الناس بالشفافية والتقدم والمشاركة، ثم ينسى كل الأشياء بمجرد الجلوس على الكرسى؟. إن كنت تريد إجابات تعال نذهب إلى مستر فرودو!!..
(3)
فى السنوات الأخيرة أنتجت أمريكا فيلما سينمائيا حقق نجاحا كبيرا وحمل عنوان سيد الخواتم، أو مملكة الخواتم «The Lord of the Rings» والفيلم الذى قدمته هوليود فى ثلاثة أجزاء، مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب البريطانى «ج. ر. تولكين»، ومن بين مجموعة الأبطال الرئيسية فى الفيلم، توجد شخصية «مستر فرودو» الهوبيت الصغير الذى أخذ على عاتقه تنفيذ أصعب مهمة فى الفيلم، وهى تدمير الخاتم مصدر الشر، «فرودو» الشجاع انطلق فى رحلته القاسية بشجاعة، تحامل على نفسه وسار فى طريق وعرة وسط مطاردات من «الأوراكس»، وأتباع «ساورون» الشرير، وهو لا يرى سوى هدف واحد فقط تدمير الخاتم مصدر الشر، قاوم مستر «فرودو» إغراءات سلطة الخاتم، التى سقط فى فخها الكبار، تجاهل إغراءات السلطة وفكر فقط فى المصلحة الكبرى للإنسانية وللمملكة، ولكن لحظة الضعف زارته وخضع أمام سلطة الخاتم حينما وصل إلى عين الشر، أو المحطة الأخيرة التى يجب أن يسقط فيها الخاتم لكى يتم تدميره تماما. كل الرحلة الصعبة لم تشفع لـ«فرودو» الطيب، كما لم تشفع له نواياه وسقط فى فخ إغراءات الخاتم، وأغوته سلطة الخاتم، وبدلا من تدميره قام بارتدائه، ولولا طمع «سمايغل» الشرير فى الخاتم، وانقضاضه على «فرودو» وقطع إصبعه، ماكان الخاتم قد سقط فى الحمم البركانية وما كانت مهمة «فرودو» قد نجحت..
(4)
أنت تسأل وهذا حقك.. س: ما علاقة فرودو وسيد الخواتم والأفلام، وكل هذا الرغى السينمائى بالسلطة والنخبة السياسية فى مصر؟.
ج: كلهم «فرودو» يا سيدى، كلهم «فرودو»، رغم أن «فرودو» كان أكثر منهم نقاء، وأكثر منهم بذلا للجهد من أجل تحقيق هدف واحد وواضح، كلهم بدأوا المسيرة بهمة تحت شعار تحقيق هدف مصلحة المجتمع، وحينما اقتربوا من بريق السلطة، سقطوا فى فخ إغوائها وخضعوا لها تماما.. الشباب هتفوا عقب 25 يناير عيش حرية عدالة اجتماعية، وحينما اقتربوا من الكراسى فى الوزارات أو الفضائيات جلسوا وصمتوا، الإخوان هتفوا النهضة، ونحمل الخير لمصر، وحينما جلسوا على الكرسى، ارتدوا خاتم الشر، ولم نر من كفوفهم سوى الشتائم والتكفير والفشل ورغبة الاستحواذ، جبهة الإنقاذ وكبار 30 يونيو، هتفوا التخلص من الفاشية الدينية، وحينما جلسوا على الكرسى، تلبستهم فاشية المنتصر التى تريد الإطاحة بكل من يفكر فى نقدها، أو تصحيح مسارها..ألم أقل لك إنهم كلهم «فرودو».. مع الاعتذار لـ«فرودو».
(5)
س: ليه السياسى أو اللاعب المصرى نفسه قصير؟ ج: نفسه ليس قصيرا.. ولكنه شرير، نفسه ليس قصيرا.. ولكن طموحه يتوقف عند المصلحة الشخصية، إن تحققت بالقفز على السلطة، أو الفوز بمكافأة مباراة لا يهتم أبدا ببذل الجهد من أجل المصلحة العامة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة