«إنهم يخشون على حرية الرأى والتعبير»!!.. يتبع تلك الجملة ضحكة رقيعة، تخيلها هكذا واسمعها بصوت المرحومة وداد حمدى..
(1)
تعيش مصر فى المنتصف بين ميدانين الأول لبقايا أهل 25 يناير، والثانى لتجمع المصالح الذى استعاد شبابه بعد 30 يونيو، ولكل ميدان متطرفيه ومجانينه من البشر، وفى كل ميدان منجانيق يقذف حجارة التخوين والعمالة والإساءة والإهانة على الآخر، وفى المنتصف لا تحصل مصر منهما سوى على التدمير، تدمير نسيجها المجتمعى وتدمير ما تبقى لها من وقت لإنقاذ وطن خربه فساد مبارك، وفتته طمع وسذاجة مرسى وأنهكته ممارسات شباب ما بعد الثورة، ولهذا يأتى السؤال ضروريا :هل تنفخ فى نار المعركة وتمدهم بالمزيد من الحجارة، التى لا تنزل سوى فوق رأس مصر، أم تجفف منابعها، وتخلق أجواء من الهدنة حتى ولو قسرا طالما أن فئة منهما مستمرة فى بغيها على الأخرى؟!
العقل يقول إن مصلحة مصر أهم من الفئة الأولى، وأعظم شأن من الرغبة الانتقامية للفئة الثانية، ولذا تبدو الهدنة أمرا حتميا حتى ولو مؤقتة، وحتى لو رأيت أنت فى بعض بنودها ما لا يعجبك، فعلها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من قبل، ويمتلئ التاريخ بعشرات القادة الذين أدركوا أن إنقاذ المستقبل قد يكمن أحيانا فى هدنة صغيرة ولو مؤقتة لصراع الماضى أو الحاضر.
من هنا يمكنك أن تفهم أهمية مشروع قانون تجريم الإساءة لثورتى 25 يناير و30 يونيو، وستدرك الأهمية أكثر وأكثر لو نزهت نفسك من هوى مصالحها!!
(2)
السياسيون، أو من يدعون أنهم كذلك، وبعض المثقفين وأهل الإعلام، انقسموا على أنفسهم بعد 30 يونيو إلى فريقين، وكل منهم ارتدى فانلة غير الأخرى، وطبع نفسه بطبائع جماهير الدرجة الثالثة، وتركوا المباراة، وتفرغوا لتبادل الاتهامات والشتائم والسباب.
غرقوا فى مستنقع «سيب وأنا سيب»، و«ثورتنا أحسن من ثورتكم»، وأصبحت شعائر المعركة بين ممثلى 25 يناير و30 يونيو واحدة من مسببات الشهرة، يقتات بعض الكتاب والمذيعين على سب 25 يناير، ويتحول بعض السياسيين والنشطاء إلى صامدين ونجوم حينما يردون عن الثورة الأذى، بينما فى المنتصف تقف مصر مشلولة، ومشغولة بمعركة هامشية تهدر وقتها المفروض تخصيصه للتنمية وتأسيس مشروع ديمقراطى جديد.
فى 1996 أنتج التليفزيون المصرى أوبريت استعراضيا شهيرا للفنانة نيللى بعنوان «اللعبة»، الآن وفى 2014 يعيد عدد من أهل السياسة والإعلام إنتاج نفس الأوبريت، ولكن بوجوه لا تحمل أبدا نفس براءة ولا بشاشة «نيللى»، وجوه تكسوها ملامح المصلحة والهستيريا والصراخ، ولكنهم يفعلون كما فعلت نيللى مع الأطفال فى الأوبريت، كل طرف منهم أمسك بأطراف ثورة 25 يناير و30 يونيو وتجاذبوا الشد وهم يغنون: «اوعى سيبى اللعبة بتاعتى - لا دى بتاعتى - يا سلام ياختى - متشدش طب يلا سيبيها - لا دى بتاعتى - لا دى بتاعتى - ما تشدش - ما تشديش انتى»، استمروا فى فعل ذلك حتى انقطعت أوصال هذا الوطن، مثلما تمزقت أوصال اللعبة وخرج من جوفها من أعاد تربية الأطفال.. فهل ندعو للهدنة بقانون يجرم عمليات الإساءة والشتائم والشد والجذب بين 25 يناير و30 يونيو، أم نستمر فى عملية التراشق حتى يخرج لنا من أسفل حجارتها وشتائمها مارد يعيد تربيتنا جميعا بسوط الصمت ورغبة الشعب فى الخلاص من تلك المعركة الهامشية المزعجة.
يقول العقل إن توقف حربك مع خصمك وفق وثيقة واضحة، حتى تخمد نيران المصالح، خير ألف مرة من أن تستمر حرب لن نحصد من اشتعالها خلفه سوى خراب وطن.. ولكنهم لا يسمعون!
(3)
لحظة أنا لا أصادر على حقك فى رفض قانون تجريم الإساءة للثورة، ولا أطلب منك مجبرا أن تعتقد فى أنه هدنة مؤقتة للخلاص من صداع «خناقة الحوارى» التى يشعلها أصحاب المصالح من تجمع 30 يونيو بهجومهم وتخوينهم المستمر لثورة 25 يناير وشبابها، أنا فقط أطلب منك تذكر أنك قد كبرت ولم يعد هناك مجال لإعادة تمثيل مشاهد أوبريت اللعبة الاستعراضى، لأن مصر ليست لعبة، وحضرتك لم تعد طفلا يستمتع بتمزيقها.
ارفض القانون كما تشاء، ولكن أخبرنى أولا من أنت، هكذا الأمر ببساطة.
هل أنت واحد من هؤلاء الذين لم يفهموا أن هناك فرق بين الإساءة وحرية الانتقاد، هل أنت واحد من هؤلاء الذين لم يستطيعوا قراءة الخبر جيدا وهو يقول إن القانون صادر ضد الإساءة وليس ضد حرية الرأى؟ أم أنك واحدا من هؤلاء الذى لا يعرف من الانتقاد سوى الإساءة؟
هل أنت واحد من هؤلاء الذين لا يؤمنون بضرورة دور حوار مجتمعى حول أى مشروع قانون لتحديد مساره بشكل لا يضمن انحرافه عن أداء مهمته الأساسية كهدنة بين أصحاب مصالح يتقاتلون على جثة مصر؟
(4)
يقول بعضهم وللمفارقة هم رموز قمع الحريات، وهم المثقفون والكتاب والصحفيون الذين طالما رفعوا شعار «تغور الحرية» من أجل الاستقرار، والذين طالما سخروا من الشباب الرافض لبعض القوانين المقيدة للحريات، إن قانون تجريم الإساءة للثورة يقيد الحريات، وقولهم هنا يستدعى للمرة الثانية ضحكة رقيعة من السيدة وداد حمدى التى أهدتنا الضحكة الأولى فى مقدمة المقال، لأن المثقفين والإعلاميين الذين اتهموا الشباب بسبب اعتراضهم على قانون التظاهر لا يمكن أن نصدق تحولهم فجأة إلى دعاة حرية.. فى الأمر مصلحة إذن!
يقول بعضهم إن قانون تجريم الإساءة لثورتى 25 يناير و30 يونيو يحولهما إلى بقرة مقدسة لا يجوز نقدهما، وهم أنفسهم الذين طالبوا بمنع باسم يوسف وعدد من الإعلاميين تحت دعوى أنهم يسيئون للرموز، فهل حلال على بعض الرموز السياسية تحويلهم إلى أبقار مقدسة وحرام على الثورة أن تكون مجرد بقرة لا تخون ولا يساء لسمعتها ولا تشوه صورتها فى أذهان الأطفال.
يقول بعضهم نحن نرفض قانون تجريم الإساءة للثورتين لأن الرئيس تأخر فى الحديث عنه، لماذا صمت كل هذه الفترة ثم تحدث الآن، ألم يحصل هؤلاء فى مدارسهم على قاعدة تقول إن من يأتى متأخرا خير من ألا يأتى أبدا؟!
يقول بعض رؤساء التحرير ورموز التطبيل للرئيس ولدولة 30 يونيو نرفض قانون تجريم الإساءة للثورتين، لأننا نخشى إساءة استخدامه لمنعنا من إبداء الأراء فى ثورة 25 يناير، ألهذه الدرجة لا يثقون فى الرئيس، ويشككون فى نزاهته وتلاعبه بالقوانين؟ ثم لماذا لم يعلن أحدهم من قبل بشجاعة أنه يخشى من إساءة استخدام قانون التظاهر؟
أغلب الأصوات التى ترفض قانون تجريم الثورتين هى نفسها الأصوات التى خلقت عرفا إعلاميا وسياسيا يعتبر كل من ينتقد 30 يونيو أو يصفها بالانقلابى إخوانيا خائنا وعميلا وحاصلا على تمويل أجنبى، ألا يحق لـ25 يناير أن يكون لها قانون يحميها من ألسنة الباحثين عن الشهرة بتشويهها وتخوين أهلها دون دليل، أليس القانون أفضل من العرف، أم أنكم لا تريدونها دولة قانون، وتريدونها دولة أهواء ومصالح ومجالس عرفية؟
بعض الرموز السياسية والإعلامية التى اعترضت على قانون تجريم الإساءة لثورة 25 يناير كانت تحمى مسيرة شهرتها التى تم تأسيسها على سب هذه الثورة وتشويهها، وأطلقوا لألسنتهم العنان فى الاعتراض على القانون، حتى قال أحدهم على الهواء مباشرة، وقال الآخر فى مقال حميمى جدا يلتف كل سطر فيه بالسطر الآخر، إن بعض الشباب ورطوا الرئيس، وداعبوا مشاعره، وهنا نقف لنردع إهانتهم للرئيس ونسألهم:ألهذه الدرجة يرون الرئيس ضعيفا حتى يتأثر بكلمات بعض الشباب، ألهذه الدرجة يرون أن توريط الرئيس عملية سهلة، إذن فلماذا يكذبون علينا ليل نهار فى برامجهم وصحفهم ومقالاتهم بكلمات توحى بأن الرئيس قوى وحاسم ولا يضحك عليه أحد ولا يسدد فواتير لأحد.. أم أنهم يرونه قويا حسبما تقتضى مصالحهم لا مصالح مصر؟!
(5)
الخلاصة ..
فى أوبريت اللعبة تقول نيللى للأطفال الذين تعاركوا على اللعبة حتى مزقوها، ما يمكن أن تقوله أنت للمتطرفين المتراشقين من أهل 25 يناير وجماعات مصالح 30 يونيو: (واحد اتنين وكمان هوبا، سهلة جدا مش صعبة، اللعبة يلعبها اتنين وتلاتة وألف وألفين، رايحة فين، جاية منين، كلنا اصحاب واحبة، واحد اثنين واحد اثنين واحد اثنين وكمان هوبا).
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة