لا يخفى أن الهجرة باتت فتنة «فيس بوك» و«تويتر» الأولى، فالجميع يتوعدون بها أو يتكلمون عنها، إن لم ينصلح الحال، إلا أن التشوش والقلق مازالا عنوانين لدى المتطلعين للتجربة، فالأمر متعدد الوجوه كثير الصفات، لكن ما لا يمكن نكرانه أن المساعى كلها تتجه نحو «أورجازم» واحد، وهو السعادة من أجل المفارقة.
وما ينبغى قوله عن الهجرة أنها هاجس عالمى نما بشدة فى «المائة سنة الأخيرة، فقبل ذلك لم تكن كلمة الهجرة واضحة المعالم كثيرة الاستخدام، إذ كان يستخدم بدلا منها الرحيل أو السفر، وفى بلاد مثل سويسرا والأرجنتين والولايات المتحدة هناك أناس يفكرون فى الهجرة (تخيل!!)، كما أن بلدانا مثل بريطانيا تعتبر الهجرة عنصرا فارقا فى تلوين ثقافتها وإعطائها زخما».
وهجرة الفقراء تختلف عن هجرة الأغنياء، فالفقير يفكر فى الهجرة عبر طرق ملتوية تثير الضحك عادة إذا سمعها أجنبى، كما أنها تثير الغثيان لدى مرتكبها إذا ذكره أحد بها ولو بعد سنوات، فقد روى أن مصريا مقيما بفرنسا ذكره أحدهم بقصة سفره فسقط متلويا ثم أصيب بقرحة فى المعدة، ولا تتوقف الروايات عند ذلك الحد، فبعض الناس ما زال عليهم ديون منذ 15 سنة تتراوح بين ألف وألفين جنيه، كما أنهم يتهربون من كل ذكرياتهم مع «الفيزا»، كما أن بعضا منهم ينظر فى الأرض ويحلم بعالم أسود لما يتذكر المواقف التى شابتها واقعة الحصول على الإقامة والتى تتضمن عادة تهديد مندوب الجوازات بالقتل، ودفع ثمن «الفيزا» 3 مرات، والتعرض لرهاب الخوف من النصب.
وعلى العكس مما سبق، فإن باب الهجرة مفتوح لدى الأغنياء، فالغنى يذهب بسيارته إلى مكتب الهجرة ويبرز ماله وما عليه باطمئنان فممتلكاته تمنحه رفاهية الحصول على كل «الفيز» «جمع فيزا» دون معاناة النصب، وسلوك المسالك الحلزونية، وبطولة الأفلام العربية الرخيصة والهندية المبتذلة، كما يفعل شبان العشوائيات والقرى والمساكن الصفيحية والخشبية والمكونة من المعادن المختلفة.
وتتنوع قصص النصب والتزوير فى هذا السياق، حتى قيل إنها تشكل ثلث الجرائم من هذا النوع بشكل يدعو لتأسيس لجنة لمكافحة جرائم الهجرة ! والهجرة فى «فيس بوك» هى الكلمة الأكثر تكرار لدى المصريين لكن ما يدرك كله أن المصرى هو الوحيد فى العالم الذى يفكر فى الهجرة دون أن يهمه ماذا سيعمل وكيف ومتى ولماذا، كما أن الله اختصه بعطايا أخرى مميزة، فهو الوحيد أيضًا فى العالم كله الذى يمكنه الجمع بين وظيفتين «يشتغل شغلانتين» دون أن تنهار صحته، وهو يثبت بذلك قوته وجبروته، ففقراء الأرض «الهنود والبنغال مثلا» لم يفعلوا ذلك، كما أنهم لم يفكروا فيه.
وما لا يمكن إغفاله فى النهاية أن دعاوى الهجرة انتشرت فى السنوات العشر الماضية بشكل يفوق ما توقعه المهاجرون الأوائل والجدد ومهاجرو العصور السحيقة، وهو أمر يدعو على أى حال إلى الفخر بأن المصريين كانوا قادرين بأريحية على العيش قبل الألفية الجديدة، وما يجب ذكره أيضا أن الأجيال الجديدة أكثر استسلاما للفكرة التى تعامل معها القدماء باعتبارها مخاطرة، إذ إنهم يريدون التحرر من كل القيود التى كرست لصراع مدمر بين المجتمع والشباب الجدد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة