(1)
«لا يعجبكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس، فهو الرجل».. قالها أمير المؤمنين عمر منذ مئات السنين، دون أن يعرف أن الشيخ عماد عفت سيعيش على أرضنا دون «طنطنة» يهواها شيوخ زماننا من أجل الشهرة، ومات على نفس الأرض وهو يؤدى أمانة الوطن ويدافع عن شرفه.
(2)
يظنون- يامولانا- أنهم غيبوك بين جدران قبر، وعذرهم فى عقولهم التى لم تدرك بعد أنك فكرة قبل أن تكون جسدًا يهتف أو صدرًا لا يخشى مواجهة الرصاص.. يعتقد الخبيث فيهم- يامولانا- أن قصتك التى تعرى رجولتهم الضامرة قد أعقبها تتر للنهاية، وعذرهم يبقى فى وعيهم الذى لم يفهم أن جوهر قصتك كامن فى تلك البسمة التى تطل بها علينا من داخل صورك، وكأنها مدد بالرضا والتحدى من معين لا ينضب يحمل اسم عماد عفت.
فى الأرض الآن- يامولانا- أنواع من بشر أمهلها الله، وهى تتاجر بدينه، وكنه لم يهملها، فأذاقها ذلًا بعد عزة، وبشر لا يجيدون سوى قرع طبول تطرب لها آذان السلطة، وبشر أهملوا جثتك الطاهرة على أرض ميدان التحرير، ووصفوا خروجك للدفاع عن الحق بالفتنة وإشاعة الفوضى.
يعتقدون- يامولانا- أن الباقى منك مجرد «عمامة»، ولم يفهم الناصح فيهم أن «عمامتك» منهج.. منهج أسس له ورفع بنيانه سيدنا الإمام على حينما قال: «لا يستوحشنّك طريق الحق وإن قلّ سالكوه»، وأنت- يامولانا- ضربت لنا المثل العملى فى التطبيق، نزلت إلى أرض الميدان مع لحظة الثورة الأولى، بينما كان شيوخ الإخوان والسلفيين يستعدون بفتاوى تحريم الخروج على الحاكم، وعدت إلى منزلك مساء 28 يناير وفى جسدك علامات من ضرب العصىّ، وطلقات الخرطوش، بينما كان أهل السياسة داخل مكاتبهم المكيفة ينتظرون لحظة الفوز للانقضاض على ما تبقى من الفريسة، أو لحظة الهزيمة لغسل أيديهم والتبرؤ مما حدث فى ميدان التحرير، وكأنه عيب ونقيصة.
(3)
يأخذ الموت أصحاب الأرواح البيضاء، ويتركنا فى جدال مع أولئك الذين ضاقت مساحات السماحة داخل صدورهم.
ذهب الشيخ عماد عفت، ومن بعده محمد يسرى سلامة، وبقى لنا أبوإسلام، ومظهر شاهين، وإسلام بحيرى، وباقى قائمة «المطبلاتية» التى لا تجد غضاضة فى أن تصفك بالكفر أو العمالة أو الخيانة، وتتمنى لو أن الله خسف بك الأرض لمجرد أنك تحمل لهم فى قلبك نقدًا، أو لسلوكهم وأفكارهم رفضًا.
اللهم لا اعتراض على حكمتك، ولا قدرك، أنت عالم الغيب، وربما أردت بخيارنا هؤلاء الرحمة فأنقذتهم من دوامة العبث التى نعيشها، وربما أردت أن تعاقبنا بمن أبقيتهم يكفروننا ويخونوننا ويصيبوننا فى ديننا لتطهير ما علق بنفوسنا قبل أن نلقاك.
يامولانا، لا تسألنى عن مصير دمك ودم بسيونى والحسينى ومينا دانيال، فإنا- والله- نستحى من نفوسنا وهى تنظر لمرايا تعرى فشلنا فى نصرة أرواحكم، وإنا- والله - نخجل من ابتسامة الرضا التى تطاردنا من داخل كل صورة تظهر أنت بها، وإنا- والله- لتائهون، ومتهمون، وغارقون نلتمس أطواق النجاة من بين ملامحك وكلماتك، ومن بين خطوات كل شهيد اصطفاه الله وقدم هو نفسه فداء لفكرة، وإيمانًا بمستقبل وطن تتصارع الضباع على نهش لحمه، ولا يريد مثقفوه وكبار أحزابه سوى غسيل أدمغته ليقبل بعودة ما كان عليه الأمر فى زمن مبارك حتى تبقى مكاسبهم محفوظة، ولا يعرف شبابه أو بعض شبابه أى مسلك يسلكون بين ضفتى الاتهامات والسهام المتتالية.
الشباب تائهون بين ضفة تلقى عليهم بسهام العمالة والتخوين وبيع أرض الوطن والوقوف ضمن صفوف الطابور الخامس، وأخرى ترميهم بسهام كراهية الدين والمشروع الإسلامى ولحس البيادة وعبادة الكاكى، ومنحدر لا يظهر لكل ناظر من خلفه سوى المزيد من الضباب.
(4)
شيخنا وسيدنا وشهيدنا وشريفنا الذى عفر قدمه بتراب شوارع التظاهر بحثًا عن الحق على عكس شيوخ الفضائيات، ومكاتب الإرشاد الذين يجلسون فى مكاتبهم المكيفة، ويرسلون شبابهم بأوامر الضرب والسحل والقتل تحت غطاء الحفاظ على الشرعية.. ابتسامة الرضا فى كل صورك تطاردنا، وإنا بمطاردتها لنا وتذكيرها إيانا باستكمال الحلم فى وطن كريم لفرحون.. طبت حيًا فى فردوس الرحمن الأعلى، وطبت جميلاً بدعائك لنا ألا نحيد أبدًا عن درب الحق، ولا نميل إلى هؤلاء الذين ألبسوه ثوب الباطل، أو أولئك الذين جعلوه مطية يركبونها من أجل الوصول إلى كرسى السلطة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة