أفاقت جموع المرشدين السياحيين من سباتهم الطويل، الذى أعقب انهيار السياحة بعد 25 يناير فمكثوا عاطلين فى بيوتهم على خناق وجدل وصراخ، ففى إحدى الفضائيات التى تناقش هموم السياحة أنهال أحد الفندقيين بمعوله بدون وجه حق على المرشدين السياحيين متهمًا إياهم بالتربح من السائحين وتقاضى عمولات من البازارات وأصاب معوله الأقصريين فاتهمهم أيضا بتقليب السائح والمبالغة فى التربح منهم، ونسى أن هؤلاء جميعا يتضورون جوعا بعدما خربت بيوتهم بخراب السياحة الذى أعقب 25 يناير فكسدت التجارة وتوقف البيع والشراء.
والحقيقة أن المشكلة عامة وتم نقاشها فى البرنامج بطريقة فجة ومشينة دون الوصول إلى حل، فالسائح ينظر له بمجرد وصوله على أنه حافظة نقود متنقلة تنتظر من يمد يده على ضرعها فتعطيه لبنا بلا حساب ولا مقابل إنسانى.
ولكن الحقيقة أيضا أن المرشد السياحى هو الوحيد من تلك المنظومة، الذى يضع فى هذه الحافظة علما وحضارة وإنسانية وإفادة يدين لها السائح عند مغادرته.
تدين للمرشد الشركة الجالبة لأنه يعمل يومه كاملا على إنجاح رحلة الضيف، وأن يكون تقريره إيجابيا لصالح الشركة.
تدين للمرشد الفنادق التى يبذل جهدا مضاعفا لمفاداة عيوبها الكثيرة، ويحاول بإرشاده إصلاحها بشتى الطرق.
يدين للمرشد عموم المحلات لوساطته لتكون الخامة المبيعة من الجودة وملائمة السعر ما يرضى السائح.
تدين للمرشد الدولة التى لا توفر له حماية إدارية ومعاشية وحياتية وسأذكر لاحقا تفصيلا لذلك.
ما الذى يدعو البعض للهجوم على المرشد السياحى وقد انقضت سنوات أربع عجاف مكث فيها المرشد فى بيته خالى الشغل وخالى الوفاض، حتى باع مسكنه وملابسه واقترب من بيع عياله بعد توقف السياحة ووفاتها حسب تغبير الوزير ؟
إذا كانت السياحة هى عصب الاقتصاد فى مصر، فالمرشد السياحى هو عصب السياحة الثقافية ذاتها وهى السياحة، التى تتطلب شرحا وتحليلا لما تقع عليه العين، فيستحيل بالطبع تواجد السائح دون رفيق يصحبه منذ أن يطأ أرض مصر، يتقن لغة السائح وهو دارس لتاريخ مصر القديم بأنواع عصوره الفرعونية والبطلمية والرومانية والبيزنطية والإسلامية والحديثة بكل حكامها وأحداثها وحروبها وشخصياتها وفنونها، ويقوم بالشرح الأكاديمى فى المعابد والمتاحف والمقابر القديمة، ويصطحبه ليل نهار – دون تحديد لعدد ساعات عمل - فى زياراته للأماكن الأثرية والمتاحف التى وضعها برنامج زيارته، ويقوم بالشرح المتخصص دون نقصان، ويجيب عن أسئلته إجابة وافية مستفيضة لا يشعر خلالها السائح بأى خلل أو خطأ أو ملل أو نسيان، كما يلقى عدة محاضرات عن مصر الحديثة والحياة المصرية والأحداث الراهنة، وهو مقيم مع السائح طيلة فترة تواجده، ومسئول مسئولية تامة عن نوعية ما يأكل السائح ويشرب، عن الجودة كما ونوعا، وهو مسئول عن راحة نومه وعدم ازعاجه، ومسئول بالطبع عن تلبية كل طلباته المختلفة من اتصالاته ببلده وأهله وعلاقاته فى فترة تواجده ونصحه وإرشاده عن الأماكن والأشخاص، وأن يقضى إجازته فى سعادة غامرة دون أدنى المشاكل، ثم أولا وأخيرا يجب عليه كمتخصص فى فن الاستضافة وكمسئول أن يشعر السائح بحبه، وامتنانه له حريصا على رسم ابتسامة عريضة تعكس السرور والحبور وحسن الاستقبال، سواء كان السائح جنتلمان سريع الرضى أو كان من مثيرى المتاعب والمشاكل الراغبين باسترداد ما دفعه فى رحلته فى وطنه بتقديم شكوى، من أى محتوى، يطلب فيها تعويضا عن إفساد إجازته، ولك أن تتخيل المجهود المبذول من المرشد السياحى لتلافى حدوث أى مشكلة له، أضف إلى ذلك مسئولية المرشد عن علاقة السائح بمن حوله وعدم تعرضه لمحاولات الأذى بأنواعها، وفى نهاية الرحلة يصطحب المرشد السائح للمطار كى يودعه بابتسامة ووداع، متمنيا له عودة طيبة لوطنه آملا أن يعود مرات عديدة لزيارة مصر.
هذا ما يقوم به المرشد السياحى، فما المقابل الذى يحصل عليه إزاء هذا المجهود الهائل ؟
فهذا المرشد لا يعمل بمرتب شهرى، وإنما يعمل بأجر اليوم الذى يكلف فيه بالعمل، أى باليومية، فإذا قام بالعمل أسبوعا فى الشهر فله أجر أسبوع، ويتراوح أجر اليوم بين 30 إلى 70 جنيها، ويرجع هذا الاختلاف إلى نوع اللغة التى يمارسها وإلى ندرتها فى السوق السياحى، فعمل أسبوع كامل يحصل فيه المرشد على أجر يتراوح بين 210 جنيهات إلى 490 جنيها، وتخصم بالطبع قيمة الضرائب فيقل هذا الأجر بمقدر 5%، فإذا كان الموسم السياحى زاخرا فربما يحصل المرشد على أسبوعين من العمل يتضاعف بها هذا الأجر.
وقد يحصل المرشد على نسبة من مبيعات الزيارات الإضافية، التى ينجح فى تسويقها لشركته بين مجموعة السائحين، أما حصوله على نسبة مبيعات العاديات والهدايا للسائحين فإن قانون الإرشاد السياحى لا يسمح به، رغم تطبيقه عمليا لتدنى ما يحصل عليه المرشد من أجر، فماذا لو حدث أن توقفت السياحة كما هو الحال الآن ؟
الإجابة ببساطة: لا أجر. لا دخل. لا مرتب!
وقد ساءت حالة المرشد بعد التوقف المتكرر للسياحة، ونفد ما لدى البعض من مال فلجأوا لبيع أثاث شققهم ليسددوا ما عليهم من ديون، ويحسب للمرشدين أنهم الفئة الوحيدة التى لم تتجمهر وتطالب بمطالب فئوية مستغلة الأحداث كالمطالب الفئوية الأخرى، ولأن المرشد السياحى هو عمل صنفته الدولة أنه عمل حر فهو لا يتبع وزارة السياحة إلا من الجهة الإدارية فقط، وتنأى الوزارة عن تأمينه صحيا ومعاشيا لا أدرى لماذا، فهى مسئولة عن تسجيله فى سجلاتها دون أدنى مسئولية، أو التزام مادى، وعليه تسديد رسوم تسجيله وتجديد رخصته التى لابد من تجديدها – دون مبرر – كل خمس سنوات! وليس لديه تأمين صحى لا هو ولا أسرته بالطبع ويجب أن يتولى ذلك بنفسه ومن حافظة نقوده الفارغة.
أما عن التأمينات والمعاشات فهى مأساة المآسى، فقد انتبهت الوزارة منذ ما يقرب من عشر سنوات أن لزاما على المرشد بصفته مؤسسة خاصة وصاحب عمل (!) أن يكون لديه تأمينات وإلا لن تقيده فى سجلاتها وألزمته أن يدفع التأمينات بأثر رجعى، فقام المرشدون بدفع آلاف الجنيهات ليحصل المرشد عند التقاعد على معاش هزيل حسب المستوى، الذى شارك به فقل لى بالله عليك كيف تعيش أسرة المرشد بيومية لا تسمن ولا تغنى من جوع، وبعد التقاعد بمعاش ربما يكفى الاسرة يوما أو بعض يوم! والنقابة ؟ أليس للمرشدين نقابة؟ نعم، ماذا عساها تفعل الأبواب موصدة والكل يصب غضبه الجم على المرشد لعلاقته المباشرة مع السائح !
الحل عند الدولة التى يجب أن تنظر إلى انصاف وظيفة المرشد السياحى علاجا جذريا بتحسين أجره وضمان معاش ومرتب مجز بما يتناسب مع دوره الكبير فى نجاح السياحة المصرية.
على رمضان يكتب: الضرب فى المرشد السياحى حرام
الأربعاء، 17 ديسمبر 2014 06:09 م
مرشد سياحى مع السياح - أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة