لا أعيب على الرئيس السيسى فى خضم المسؤوليات الملقاة على كاهله، أنه يحاول بين الحين والآخر بشكل حثيث أن يلتقى ببعض من طوائف الشعب فى لقاءات تسمح له أن يستمع لمختلف الآراء بشكل مباشر ودونما حاجز ينقل له رأى هؤلاء أو هؤلاء، وهو عمل محمود افتقدناه منذ عقود، فقد اعتدنا أن الرئيس الحاكم لا يلتقى إلا بصفوته وكانوا عادة لا يتغيرون، وإذا اقترب من واحد من عامة الشعب ومن غير صفوته، يكون لقاء مرتبا ترتيبا سينمائيا، هذا هو الجزء الذى يخص الرئيس فى الصورة، أما الجزء الخاص فى الصورة بمن يلتقون الرئيس ويجلسون إليه مرة أو مرات، فهو الجزء الذى يهمنى ويجب أن يهمنا جميعا،ً لأننا نتطلع من خلالهم أن يتم نقل الاتجاهات المختلفة فى هذا المجتمع الصاخب المريض الذى يحتاج لكثير من العلاج.
وقد يكون الصحفيون وأهل الإعلام هم أكثر من يلتقيهم الرئيس أو بتعبير أدق هم أكثر من يخرجون على العامة بموضوعات وآراء تخص لقاءاتهم بالرئيس، وقد بدأ هناك اتجاه ما فى عالم الصحافة والإعلام بصراحة ودون تزويق فى التعبير الأرننة بلقاء الرئيس، فهناك تعبير صار متداولا فى عالم الصحافة المحدود أنا قابلت الرئيس انت قابلته؟ وكأن لقاء الرئيس لقاء للتشريف لا للتكليف، فالذين يلتقونه عليهم واجب لأنهم نواب عن غيرهم فى إيصال أصواتهم وآرائهم، ولكن تفاصيل تلك اللقاءات لا تنم دائماً عن إدراك البعض منهم ماهية اللقاء، أما على الطرف الآخر فبعض من هؤلاء الذين لا تتم دعوتهم لهذه اللقاءات وكل منهم يبدو كعبده مشتاق للقاء الرئيس لتأكيد مكانته، صار يشن هجوماً غير مبرر على من يلتقونه ويتهم بعضهم بأنهم معارضون وطابور ثالث، ويوجه اتهامات لمؤسسة الرئاسة لأنها تلتقى بهم وكأنها تلتقى بالعدو وليس بمصريين يمثلون آراء مختلفة عن عبده مشتاق، وهم كثر.
لقاء رئيس الدولة المفروض أن يكون تكليفا بالصدق فى اللقاء والصدق فى الرأى والأمانة فى الاختلاف أو الاتفاق، لكن للأسف كثير ممن يختلفون على الورق يتفقون فى اللقاءات مع الرئيس وكثير ممن يتفقون يختلفون لمجرد أنهم لا يلتقون.
وربما مثل هذه القصص والتصرفات تستدعى لعقلى حكايات عايشتها منذ سنوات فى زمن مبارك وهى ليست ببعيدة، فأحد رؤساء تحرير الصحف القومية الكبرى وكانت تعانى سوء التوزيع وتدهور الحال والتقيته فوجدته يكاد يطير بجناحين من الفرح، فلما سألته عن السبب متصورة أنه أتته أخبار بتحسن التوزيع أو أن جريدته أحرزت انفرادا عالميا، قال لى بالحرف الواحد «شوفتى ربنا نصرنى ربنا نصرنى عليهم كلهم الكبير «قاصداً الرئيس آنذاك» متصور وهو بيقرأ الجورنال بتاعى مش أى جورنال تانى!» وهنا ارتفعت حواجبى واتسعت عيونى وقلت له «وإيه الانتصار فى أن الرئيس متصور بيقرأ الجورنال ده ما هو أكيد قبله أو بعده حيقرأ جورنال تانى» وهنا نظر إلى باستهانة وقال «والله أنت مش فاهمة حاجة» ونادى على سكرتارية مكتبه وطلب منهم وضع هذه الصورة مكبرة فى كل دور من أدوار المؤسسة الصحفية كدليل على نصرة ربنا.
الصحفى الذى يتصور أن رئيس الجمهورية حين يمسك بجريدته فهذا انتصار من الله، يتساوى مع الصحفى الذى يتصور أن لقاءه بالرئيس انتصار شخصى، يتساوى أيضاً مع الصحفى الذى يتصور أن عدم وجوده فى لقاءات الرئيس بالصحفيين هو تهديد له.
لقاءات من يحكموننا تكليف لا تشريف لمن يدركون المرحلة التى نعيشها، فما أحوجنا لصحفى صادق كما على الورق كما أمام الكاميرات أو بعيداً عنها! أما من يهنئون بعضهم البعض ويهنئهم آخرون بلقاء الرئيس بمنطق أنك طالما قابلت الرئيس تبقى من الأحرار يا على، فلهؤلاء أقول: «اتقوا الله فينا وفى الرئيس».