محمد أبو حامد

وعلّم آدم الأسماءَ كلّهَا

الجمعة، 19 ديسمبر 2014 12:04 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فلسفة العلوم طبقاً لما ورد فى ويكيبيديا هو: أحد فروع الفلسفة الذى يهتم بدراسة الأسس الفلسفية والافتراضات والمضامين الموجودة ضمن العلوم المختلفة، بما فيها العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا، والعلوم الاجتماعية مثل علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية، وكذلك: طبيعة وصحة المقولات العلمية، طريقة إنتاج العلوم والنظريات العلمية، طرق التأكد والتوثيق من النتائج والنظريات العلمية، صياغة وطرق استعمال الطرق العلمية المختلفة أو ما يدعى بالمنهج العلمى، طرق الاستنتاج والاستدلال التى تستخدم فى فروع العلم كافة، وأخيرا تضمينات هذه المقولات والطرق والمناهج العلمية على المجتمع بأكمله وعلى المجتمع العلمى خاصة، ومنذ نشأة فلسفة العلوم وما حدث بها من تطور لا نجد سوى النموذج الغربى الذى يدرسه فلاسفة العلم باعتباره النموذج الأمثل، والأوحد الذى أدى إلى ما وصل إليه إنسان اليوم من تطور وحضارة، ولقد سايرت الغالبية العظمى من المفكرين والفلاسفة العرب هذا الاتجاه، فانصبت دراستهم وبحوثهم حول فلسفة العلم كما قدمها هذا النموذج الغربى.

و يُمثّل قول الله من سورة البقرة آية 31: «وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا..» المدخل إلى معرفة فلسفة العلوم من المنظور الإسلامى، لقد امتن الله على آدم بما اختصه من علم أسماء كل شىء، كما منحه من الوسائل والملكات ما يساعده على الإدراك الصحيح لحقائق الموجودات طبقاً للمنهجية العلمية الحديثة، وبما يمكنه من: «العلم اليقين» الذى يحرره من الشكوك والظنون ويكشف له حقائق الكون انكشافًا لا يبقى معه إمكان الغلط والوهم، والعلم الذى يدعو إليه الإسلام هو العلم الشامل بشقيه الدينى والمادى، أما الشق الدينى فهو العلوم التى مصدرها الوحى وتعنى بأمور العقيدة والقيم والتصور العام للوجود والنفس الإنسانية ونظام المجتمع، وأما الشق المادى فهو العلوم التى تبحث فى ظواهر الكون والحياة، ويهتدى الإنسان إليها بمداركه البشرية التى أنعم الله بها عليه ليبصر طريق المعرفة الصائبة، على أن تظل هذه العلوم الكونية فى عالم الشهادة دنيوية بعلاقاتها مع الأشياء، وتعبدية فى الوقت نفسه لصلتها بالخالق الواحد سبحانه وتعالى، وقد حدد القرآن الكريم الظواهر الطبيعية والإنسانية باعتبارها موضوعا للبحث والحقيقة، وبيَّن أن الوسيلة إلى إدراكها لا تكون بالحواس فقط فالمدركات الحسية تعجز بطبيعتها عن تقديم صورة كاملة لحركة الكون والأشياء، ولذلك أكَّد القرآن أن العقل له الدور الرئيسى فى إدراك حقائق الكون، والتأليف بين نتائج المعرفة التى يحصل عليها من العلوم المختلفة، ثم تحليلها واستخلاص النتيجة منها، ولهذا فإن الدعوة إلى تأمل الطبيعة فى القرآن الكريم هى فى صميمها دعوة عقلية إلى تأمل حركة الظواهر الكونية وقراءة آيات الله فى الكون.

ولذلك فإن فلاسفة الفكر الإسلامى أكدوا دائماً أن ما جاء فى الشريعة وحياً فيما له صلة بحقيقة الكون هو نفسه ما يستخلصه العقل من دراسته للكون دراسة مباشرة، فكأنما نحن أمام كتاب واحد بلغتين: كتاب الإسلام وكتاب الكون فنقرأ فى هذا ما نقرؤه فى ذاك شريطة أن نحسن فهم اللغة التى ينطق بها كل منهما، ومن هؤلاء الفلاسفة «ابن رشد» حيث سلك إلى إثبات ذلك طريقين وجعل لكل طريق منهما مؤلفاً خاصاً، أما أول الطريقين فهو أن يبدأ الرحلة من الشريعة لينتهى إلى النتائج التى كان العقل قد وصل إليها فى دراسته للكون، وكان ذلك فى كتاب «مناهج الأدلة»، وأما الطريق الثانى فهو أن يسير فى الاتجاه المضاد، بأن يبدأ الرحلة هذه المرة من النتائج التى حققتها الدراسة العقلية وهى ما أطلق عليه اسم الحكمة لينتهى إلى ما أوردته الشريعة وحيا، وكان ذلك فى كتاب «فصل المقال»، فالغاية فى الكتابين واحدة، وإن يكن قد وصل إليهما بالسير فى اتجاهين متضادين، وفى هذا المعنى يقول ابن رشد: «فالصواب أن تعلم الفرقة من الجمهور، التى ترى أن الشريعة مخالفة للحكمة، أنها ليست مخالفة لها، وذلك بأن يعرف كل واحد من الفريقين أنه لم يقف على كنههما بالحقيقة، أعنى لا على كنه الشريعة ولا على كنه الحكمة، ولهذا المعنى اضطررنا نحن فى هذا الكتاب يقصد كتاب مناهج الأدلة أن نعرف أصول الشريعة، فإن أصولها إذا تُؤُمِّلت وُجِدَت أشد مطابقة للحكمة.. وكذلك الرأى الذى ظُنَّ فى الحكمة أنه مخالف للشريعة.. لم يحط علماً بالحكمة ولا بالشريعة، ولذلك اضطررنا نحن أيضاً إلى وضع قول، أعنى: فصل المقال فى موافقة الحكمة للشريعة»، ذلك الكتاب الذى أكد فيه أن فعل الفلسفة: «ليس شيئاً أكثر من النظر فى الموجودات واعتبارها، من جهة دلالتها على الصانع بمعرفة صنعتها»، قد جاء به الأمر فى غير ما آية من القرآن، حيث قال سبحانه: « فاعتبروا» تارة «يا أولى الألباب» وتارة أخرى «يا أولى الأبصار» ثم لما كان «الاعتبار» كما فهمه ابن رشد: «ليس شيئاً أكثر من استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه منه وهذا بالقياس العقلى كما هو معروف فى المنطق»، كان معنى ذلك عنده أن استعمال القياس العقلى هو أمر واجب بحكم الشريعة نفسها، فهى لا تقتصر على أن تجيزه بل هى توجبه، ويقول ابن رشد أيضاً فى بيان استحالة التعارض بين الشريعة والعقل: «وإذ كانت هذه الشريعة حقاً، وداعية إلى النظر المؤدى إلى معرفة الحق، فإنا معشر المسلمين نعلم: أنه لا يؤدى النظر البرهانى يقصد عمل العقل إلى مخالفة ما ورد به الشرع، فإن الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له»، وأكد ابن رشد أنه إذا انتهى النظر العقلى الصحيح إلى معرفة حقيقية، وظهر أنها تتعارض مع نص ما من نصوص الشريعة، فإننا نلجأ إلى تأويل ظاهر النص بمعنى: «إخراج ظاهر اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يُخلَّ ذلك بعادة لسان العرب» وذلك لإزالة هذا التعارض.

وطبقاً لهذا الفهم فإن هناك علاقة تبادلية تكاملية بين الوحى والعقل، فالوحى يعصم العقل والفكر من الانحراف، كما أن العلوم العقلية التى تهدف إلى التفكر فى الظواهر الكونية والتعرف على نواميسها الإلهية تؤدى إلى تعميق الإيمان بالله، وهو الغاية الرئيسية للوحى، فلا يوجد تعارض بين العلم والأديان ولعل تصريحات قداسة بابا الفاتيكان «فرانسيس الأول» بشأن نظرية التطور والانفجار الكبير وهى من النظريات المرفوضة من أغلب المتدينين على مستوى العالم، جاءت فى إطار تأكيد أن الأديان لا ترفض العلم ولا تعوقه كما يدَّعى الملحدون، ولم تكن هذه التصريحات من قداسته اعترافاً بالإلحاد كما ادَّعى البعض حيث قال قداسته نصا: «نحن نقرأ فى سفر التكوين، أن الله خلق كل شىء، وأردف: بالفعل، الله خلق البشر، ولكنه تركهم يتطورون، عن طريق نظرية الانفجار الكبير»، وبغض النظر عن قبول البعض أو رفضه لهذا المنطق فإن موجة الإلحاد التى تجتاح العالم تحتم علينا جميعاً أن نزيل الأكاذيب التى تدعم انتشارها، وفى مقدماتها أكذوبة أن الأديان ترفض العلم أو تعوقه.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة