السياق الاجتماعى والسياسى الذى نرفع فيه شعاراتنا هو الذى يحدد كونها حقا أو باطلا، فالخوارج حين رفعوا المصاحف فى وجه على وقالوا «لا حكم إلا لله» كان الشعار باطلا، لأنه رفع فى سياق اجتماعى وسياسى يفتقد للوعى.
كذلك كانت انتفاضة الشباب المسلم شعارا فى سياق اجتماعى وسياسى أفقدها معناها، فلينتفض الشباب المسلم كما يشاءون ولكن ليس فى وجه مجتمعهم، وإنما ينتفضون لأجله، ينتفضون لأجل حريته وكرامته ولأجل تحقيق العدالة الاجتماعية لكل أبنائه بلا تمييز ولا تفرقة على أساس الدين أو العرق أو الجنس، انتفاضة الشباب المسلم ليست فعلا احتفاليا مرتبطا بحدث ولكنها انتفاضة دائمة فى مواجهة الذات والواقع معا.
نعرف فى الحركات الاجتماعية أنها تسعى لخطاب التيار الرئيسى فى مجتمعها لإقناعه بقضاياها التى تدعو إليها، كما فعلت حركة الحقوق المدنية فى أميركا فى الستنييات، حيث ناضلت الحركة من أجل إقناع البيض بأن السود بشر لهم نفس الحقوق والواجبات التى حرمها منهم البيض لأسباب متصلة بتسلطهم وامتلاكهم للثروة والسلطة وتعريف الحقوق والواجبات فى نظام لفئة ولطائفة وليس للإنسان بصرف النظر عن لونه وجنسه وحتى عن دينه.
فقه الثورة يحتاج إلى ثورة فى تفكير الشباب المسلم، أى أن الانتفاضة التى يجب أن يقوم لها الشباب المسلم هى انتفاضة الوعى التى تجعله يدرك أن موازين الواقع والعالم والعصر والإنسان تحتاج منه إلى اجتهاد جديد يجعل من انتفاضته معنى للحرية وأغنية للإنسان ودعوة للحرية لكل المصريين ولكل العرب ولكل الناس فى العالم.
انتفاضة الشباب المسلم الذى دعت إليها الجبهة السلفية رافعة المصاحف، متحدثة عن معركة الهوية فى مصر، تعكس غيابا واضحا للوعى، وتعكس تعبيرا عن غضب إنسانى ذات طابع شخصى وطفولى، فنحن نعرف أن الأطفال حين يغضبون فإنهم ينعزلون عن بقية الجماعة ليصطنعوا لأنفسهم عالما مختلفا.
كان لافتا للنظر أن عمال الحديد والصلب المضربين قد علقوا إضرابهم لمدة يومين حتى لا يتم استغلال إضرابهم من قبل الجماعات الخارجة استجابة لدعوة الجبهة السلفية وتحالف دعم الشرعية والإخوان المسلمين، وهذا يعنى أن فكرة الهوية ومعركتها هى محاربة لطواحين الهواء ومعركة فى غير مجالها أو أوانها، لأن التعلق الزائد بالهوية وإثارة المشاكل حولها يصرف أى أمة عن معاركها الحقيقية ويقودها للتصنيف والتخوين والتكفير، وكذلك فى الثورات نفس القصة حين تطرح قضايا الهوية بديلا عن برامج لإنجاز الثورة، فنحن أمام حالة غياب للوعى وهروب للأمام، ومصر قضيتها ليست الهوية الإسلامية، ولكن قضيتها هى إنجاز برامج لحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية وتلك المتعلقة بالحرية والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان ومراقبة للسلطة وعدم احتكارها فى قبضة واحدة.
الدعوات المتهافتة إلى الخروج للتظاهر أنهكت الناس، وأفقدت تلك المظاهرات التى يتم بثها من قنوات لا تلتزم بمعايير المهنية معناها، حتى إننا لم نعد نرى سوى النساء يخرجن مدفوعات فى شوارع ضيقة لإثبات الحضور والتواجد، بينما لم نعد نرى الشباب لاعتبارات أمنية مفهومة، بيد أن السؤال يبقى هو، ما هدفك؟ وما استراتيجيتك؟ وما التكتيك المتبع لتحقيق الأهداف والاستراتيجية؟
لم نعد نرى وعيا يهدى وفكرا يخطط، وقادة يتأملون ويفكرون ويراجعون ويراوحون، فقط نرى دعوات للانتفاضات والمظاهرات والمواجهات تستنزف الطاقات، وتهدر الجهود، ولا تثمر سوى قول تافه بأننا ننهك الدولة والشرطة ونرهق الميزانيات حتى تضطر الدولة للاستجابة لمطالبنا.
مشكلة الحركة الإسلامية فى مصر أنها تنتج نشاطا يدور فى نفس المكان دون فكر يوازيه أو يكافئه، لدينا حركيون كثر، كلما حزبهم أمر دعوا للانتفاضة أو للتظاهر دون وعى يأخذ بالعقل والنفس إلى سواء السبيل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة