بعد أن أهدر السلفى عبد الفتاح حمداش زيرواى، الذى يعتبر أحد رموز السلفية فى الجزائر، دم الكاتب الروائى والصحفى كمال داوود بافتاء على الفيس بوك: "طالب فيها بقتله فى الساحات العامة" على خلفية تصريحات أدلى بها الكاتب خلال استضافته فى برنامج تليفزيونى فرنسى، والتى تحدث فيها عن الإسلام واللغة العربية، قام عدد من المثقفين الجزائريين بشجب تلك الفتوى والرد على التطرف الدينى.
فكتب الروائى الكبير واسينى الأعرج، فى جريدة القدس العربى، الساكت عن الحق شيطان أخرس. والصامت عن الجريمة، شريك فيها. بعد مقتلة دامت أكثر من عشر سنوات، وخلفت وراءها أكثر من 200 ألف ضحية، وقرابة الأربعين مليارا حولت إلى رماد، ها هى الآلة الجهنمية تطل برأسها من جديد، داعية كما عادتها التى لم تنسها أبدا، إلى التكفير والقتل، من خلال آلية من الجهل والعجز الفكرى والتأملى، من الذى يمنح هؤلاء القتلة المتخفين حق الإفتاء بقتل الآخرين الذين لا يوافقونهم الرأى؟ اعتمادا على دين إسلامى متسام، لكنهم جيّروا تأويلاته وفق شهواتهم المريضة. ما هو هذا الشىء العظيم الذى يتهدد الإسلام والمسلمين ليصل الأمر بالشيخ عبدالفتاح زيراوى، الحاكم بأمره، لأن يخرج من الظل ليعلن جهرا بأنه يجب حرمان الروائى كمال داوود من جنسيته ومنعه من دخول الجزائر ومحاكمته وتطبيق الحد عليه وقتله.
فجأة أخذ مكان الدولة وأفتى ضد كاتب لا أعتقد أنه يحمل أكثر من قلم وحاسوب صغير، نعم ما قاله كمال داوود عن العروبة وفلسطين والجزائر والدين وغيرها من الموضوعات التى أثارها فى قناة فرانس2 دفعت الصحفيين الفرنسيين إلى وضعه أمام خياراته التى دافع عنها بطريقته، قابل لأن يناقش.
وقال، سلسلة من الآراء ومن يتابع كتابات زوايا كمال داوود فى الصحافة الجزائرية، والحادة جدا لا يستغرب رأيه. وهذا حقه، وعلى الشيخ الحاكم بأمره أن يحمل قلمه ويكتب ويجادل كمال داوود بالتى هى أحسن، إن كان يملك ما يقوله، بدل الركض وراء التهم الخطيرة التى قد تقوده هو إلى السجن قبل إعدام كمال داوود، لأنها مناداة صريحة وعلنية بالجريمة، التى يعاقب عليها القانون كجريمة.
بينما أصدر الروائى أمين الزاوى بيانا يرد على هذا التكفير يقول فيه، هى الأصوات النكراء النكرة عادت لتعوى باسم الدين السياسى، فى جزائر كنا نعتقد بأنها تسير بسلام نحو السلم واحترام الاختلاف وحقوق الإنسان، عادت هذه الأصوات النشاز مستثمرة كالعادة عفوية وبساطة الثقافة الدينية لدى المواطن الجزائرى الذى تربى فى أحضان ممارسة دين الوسطية والمحبة، بعيدا عن دين العنف والقتل والترهيب.
ويؤكد "أمين"، ها هى الأصوات الفاشية ترفع من درجة خطابها، بتهديدها الكتّاب والفنانين والإعلاميين كى تفتح طريقا سالكا لمشروعها الفاشيستى، ولتقبض سلطتها بثقافة الخوف على مجتمع لا يزال يحمل ندوب وجروح وأحزان البارحة غير البعيدة.
وتساءل أمين الزاوى، هل قرأ السيد عبد الفتاح حمداش السلفى ما كتبه كمال داوود ، منذ عشر سنوات عن قضايا الفساد والمحسوبية والعمل والثقافة والحرية والاقتصاد والمرأة والتعليم والبحث العلمى والأخلاق والمواصلات والاتصالات والأحزاب والانتخابات والبطالة والزطلة والشباب والحلم وزوارق الموت؟.
وأضاف "أمين" قد نختلف فى بعض التفاصيل مع الكاتب كمال داوود، ولكنه دائما كان مسكونا بالدفاع عن الحق فى الحرية والاختلاف والعمل والكرامة والتقدم والحداثة فى بلد عاش فيه وفيه درس، وفى مدارسها تعلم اللغة الفرنسية التى يكتب بها وبإبداع مدهش، والتى من خلالها شرّف الجزائر الثقافية والأدبية بحصوله على عدة جوائز وتكريمات دولية.
وفى جريدة "الحياة" أكد عبد العزيز رحابى، وزير اتصال سابق، أن" مثل هذه التصريحات غير مقبولة، وأن هذه القضية ستسمح بتوضيح ما إذا كان لدينا فعلا عدالة مستقلة فى الجزائر أم لا، لأن مثل هذا التصرف يجب أن يعاقب صاحبه"، وأضاف رحابى أن "هذا دليل على أن التيار المتطرف لم يستوعب الدروس المستخلصة من الانزلاقات السياسية والأمنية التى حصلت طوال الفترة الماضية، متسائلا فى الوقت ذاته كيف لم تخف السلطة من خطاب حمداش الداعى للقتل والفتنة، فى حين تخاف من خطابات سياسية مسالمة من أطراف أخرى".
بينما أعلن الشاعر ومدير الأخبار بالتلفزيون الجزائرى سابقا إبراهيم صديقى، عن مساندته للكاتب والصحفى كمال داوود، وقال بأن "المسألة لم تعد تحتمل النقاش، وإبداء الرأى بعدما تطور الأمر إلى دعوى بالقتل، حيث أصبحت المسألة تخص مؤسسات الدولة التى قال بأنه يجب أن تتابع هكذا دعاوى".
وأوضح إبراهيم صديقى، أن الأخطار التى كانت تعترض المثقفين من قبل كانت تشمل التشويه والمضايقات، حتى وصل الأمر إلى الدعوى بالقتل، وقال: "هذا السيد فاق كل الأنظمة الدكتاتورية بتصريحاته هذه، حيث جاوز الخطوط الحمراء، و يجب مقاضاته".
واستاءت مديرة يومية الفجر حدة حزام، من التصريحات التى جاءت على لسان حمداش، معربة فى ذات السياق عن أن هذه الأخيرة "التصريحات" لا تمس كمال داوود بصفة مباشرة، بل اعتبرتها مؤامرة مخطط لها من طرف بعض الجهات التى تريد زج الجزائر فى متاهة العنف وإرجاعها إلى سنوات التسعينات حين سادت الفوضى فى البلاد، أين تم اعتقال العديد من الصحفيين والكتاب البارزين، كما طالبت حزام من النظام الجزائرى أن يتخذ موقف صريح ضد حمداش وذلك من خلال متابعته قضائيا بتهمة العنف.
وأوضح الصحافى كمال زايت أن "كمال داوود هو كاتب صحفى جزائرى نجح فى انتزاع اعتراف الأوساط الأدبية الفرنسية بأول رواية صدرت له، وكان قاب قوسين أو أدنى من الفوز، مضيفا أن البعض يقول بأن هناك أطرافا عملت على عدم فوزه بالجائزة، لكن يشهد زايت أن كمال داوود معروف بمواقفه وفلسفته الخاصة بخصوص الهوية العربية والدين الإسلامى، ولكنه لم يكن أبدا لا معاديا للدين، بدليل إنه فى تصريحاته على قناة فرانس2 الأخيرة قال بأنه ما زال متدينا، ولكن ليس إسلامويا (من الإسلام السياسى).
وأضاف "زايت" أن تصريحات كمال داوود ومواقفه تقبل النقاش والنقد، ولكن أن تصل الأمور إلى إهدار دمه، فهذا مرفوض: "حتى لو كان ما يقال عنه صحيحا"، مؤكدا فى الوقت ذاته أنه شبه مقتنع بأن من أفتى ضده لم يقرأ له يوما، وإنما عمل بمنطق "قالولو"، مضيفا: "هناك رب واحد فى السماء هو من يحق له أن يحكم على الناس".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة