لست فى حاجة لأن تذهب إلى الصين، لأنها فى كل مكان من العالم، بضائعها ومنتجاتها وصعودها المنافس لا يحتاج إلى دليل. ولا تستأذن فى الدخول إلى مصر وكل دول العالم، وبالتالى فإن الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى للصين وتبدأ غدا، ليست من أجل الحصول على سلع ومنتجات، وسوف تشهد تعاونا واتفاقيات ثنائية، لكنها سوف تنجح عندما نستطيع التعلم من التجربة الاقتصادية الضخمة، وكيف تمكنت الصين من تحويل العدد الضخم إلى ميزة.
الصين لاعب رئيسى فى السياسة الدولية، ودورها لا تأخذه فقط من قوة عسكرية أو عددية.. تحاشت الصين طوال 3 عقود الدخول فى الصراعات بشكل مباشر، كما أنها تجاوزت أى ضغوط أمريكية وأوروبية لتدخل فى سباق تسلح يستنفد القوة والوقت والمال. لكنها عبرت من التخلف إلى التقدم بسرعة، وبخطى ثابتة طوال ثلاثة عقود، ونجحت فى التقاط قوانين الاقتصاد العالمى، من دون أن تقع فى شرك التبعية. ونجت من مذبحة الأيديولوجيات فى نهاية الحرب الباردة.. لم تتمسك بأيديولوجيا منقرضة، وانفتحت على الأفكار والعالم، وحققت معجزة الجمع بين أيديولوجية اشتراكية، مع استيعاب قوانين الاقتصاد الحر.
والمقارنة بين صورة الصين مطلع الثمانينيات وصورتها اليوم تكشف عن حجم الجهد والتراكم، فهى تسير فى خط صاعد وتراكمى، تعلمت من الغرب من دون أن تقع فى التبعية.
هذا هو الدرس الذى نحتاج لتعلمه، والدرس هنا هو «كيف» نجت الصين فى تخطى كل هذه الفخاخ والمعضلات والتخلف لتنطلق إلى المنافسة، ضمن سباق دولى لا يرحم، وحروب باردة وصراعات طبقية واقتصادية؟ كل الرؤساء المصريين زاروا الصين فى وقت ما، لكن أحدا منهم لم يصل للبحث عن التجربة والتعلم من تجربة تشبه ظروفنا، والحقيقة أن الصين ليست وحدها التى بدأت معنا وسبقتنا، بل كل دول ما بعد الحرب العالمية الثانية حققت لنفسها مكانة إلا نحن بقينا فى صعود وهبوط متعرج.
نحن فى حاجة للتعرف على تجارب التنمية فى الصين، كيف نجحت دولة بحجم قارة وعدد سكان ضخم فى أن تصل للمنافسة، بدأت فى نهاية السبعينيات بسلع رديئة كانت مثار سخرية، لكنها نجحت فى جذب الماركات والأسماء الكبيرة، ومن التقليد للابتكار وتوزيع العمل الصناعى بالشكل الذى يضاعف فرص العمل؟!
ربما تكون القطبية الثنائية اختفت لصالح أمريكا، لكن القطبية الاقتصادية تتوزع اليوم، والصين تحتل مكانة مهمة.. كيف فعلت هذا؟! هناك أسرار نحتاج لتعلمها من الصين وروسيا وأمريكا وأوربا، أولها ضربة البداية الموفقة.