عقارب الساعة لن تعود أبدا للوراء، وكلما مرت الأيام تتبخر أوهام الجماعة الإرهابية، التى يحارب فلولها طواحين الهواء، غير مدركين أن الوقت فى غير صالحهم، وأن مصر تتعافى سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ويكتسب نظامها السياسى مساحات جديدة فى الداخل والخارج، آخرها جنى ثمار المصالحة بين القاهرة والدوحة، تثمينا لجهود خادم الحرمين الشريفين، وبداية انحسار موجة المرتزقة الذين ترعرعوا فى قناة الجزيرة، متصورين أن عمر القطيعة سوف يطول، وأنهم يعيشون آمنين مطمئنين، يبثون سمومهم على الهواء مباشرة، ولم يراعوا مصلحة بلدهم، ولا حرمة حياة مواطنيهم الذين يدفعون أرواحهم لتطهير بلدهم من إرهاب المعزول وجماعته.
وكما قبضوا الثمن عليهم أن يدفعوا الثمن، وأن يواجهوا مصيرهم المأساوى، بعد انتهاء مهمتهم القذرة التى أدوها بحماس وإخلاص، فأصبح بقاؤهم فى قطر غير مرغوب فيه، وعودتهم إلى مصر محفوفة بالمخاطر، خصوصا العناصر التى تآمرت وحرضت، وتطاردهم اتهامات قانونية إزاء ما ارتكبوه من جرائم فى حق وطنهم ومواطنيهم، وكم كنا نشعر بالألم والأسف من مصريين وهبوا ألسنتهم لتجريح بلدهم والنيل منه، والسخرية من هموم المصريين، الذين تحملوا التضحيات والصعاب وواجهوا الأزمات، بينما عاش هؤلاء فى الفنادق وقبضوا بالدولار، وتصوروا أن زمن القطيعة بين القاهرة والدوحة لن ينتهى، ونزلت عليهم المصالحة كسهام النار التى تكوى القلوب وتشتت العقول، ولم تكن المصالحة المصرية فى صالح مناضلى الفنادق بأى حال، لأن معناها انتهاء دورهم ووقف التمويل السخى، ووضعهم على قوائم العاطلين المشاغبين، الذين انتهت مهمتهم فى الهبش والتجريح، وأصبحوا مثل خيل الحكومة بالنسبة لقطر والقطريين، فالشعوب لا تتناحر، ومصير الخلافات السياسية دائما إلى زوال.
لا ينطبق عليهم شروط اللجوء السياسى، فهم الذين بادروا بمعاداة بلدهم، ولم يواجهوا أى اضطهاد سياسى، وكانت قنوات الحوار والتعبير عن الرأى مفتوحة أمامهم بالليل والنهار، لكنهم اختاروا بمحض إرادتهم أن يكونوا مخلب قط يتم استخدامه، فى مهام تحريضية مدفوعة الثمن، وكانوا يعلمون جيدا أنه طريق مفروش بالكراهية والعداء، ليس من قبل السلطة أو الدولة، ولكن من ملايين المصريين، الذين ينظرون إليهم بازدراء واحتقار، لأن النضال مدفوع الثمن ليس نضالا وإنما أحط أنواع الارتزاق، والحماية الحقيقية هى حضن الوطن وحب المواطنين، وليس الارتماء فى أحضان من يدفع ويحرض، ثم يغسل يديه من خطايا الذى يبيع بلده.
يا له من مصير مؤلم حين ربط مناضلو الفنادق مصيرهم بأوهام المعزول وأهله وعشيرته، ورقصوا على طبول الشرعية الزائفة، وتخاريف القرضاوى الذى مازال يبشر حتى الآن بعودة المعزول للحكم فى وقفة عرفات، رغم انتهاء الوقفة والعيد وقدوم ذكرى المولد النبوى الشريف، وصدقوه كما صدقوا أن جبريل كان يصلى الفجر فى رابعة، وأدمنوا خداع أنفسهم حتى الثمالة، وقطع عدد كبير منهم طريق العودة، وارتضى بمحض إرادته أن يمضى فى سياسات العداء والتحريض إلى النهاية، حتى قبل أن ينقطع بث الجزيرة مباشر مصر بلحظات.
فى كل الأحوال مصر هى الكبيرة التى تغفر الصغائر وترتفع فوق الإساءات، وأتصور أنها تفتح ذراعيها وقلبها لكل صاحب رأى أو فكر اختلف مع نهجها السياسى وعارض توجهاتها حتى لو كان حادا وشرسا، لكنه لم يكن محرضا أو داعيا إلى العنف والإرهاب، أو مشاركا فى خطط تآمرية، فهؤلاء هم من يستحقون المساءلة والحساب، أما الذين ذهبوا مظنة المعارضة وحسن النية فلن تغلق فى وجوههم الأبواب.