على قدر ما تعد السينما بأفلامها هى الفن الأكثر جماهيرية وشعبية فى العالم، فالسينما أيضاً هى الفن الذى يقاس عادة نجاحه من عدمه بتجاوب الجمهور والسعى لمشاهدته، وهى بذلك تختلف إلى حد كبير مع أغلب الفنون، فقيمة لوحة تشكيلية قد تتجاوز الملايين بكثير ولكن لأن هناك شخصا واحدا أحبها وقرر أن يدفع فيها هذا المبلغ. والباليه والمسرح والموسيقى والأدب كلها تخضع لمعايير فى التقدير مختلفة إلى حد كبير عن السينما فى أمر الجمهور، واحتياج الأفلام لعدد لا بأس به من المحبين لانتشار تداول ونجاح الفيلم بالتالى، صحيح أن أى إبداع يحتاج إلى متابعين ومحبين ليجد صدى، ولكن السينما وحدها هى الفن الذى لا يتطلب مميزات فى مشاهديه ليستطيعوا أن يستمتعوا به، فقد نجد رجلاً لا يقرأ أو يكتب يعجب ويحب أحد الأفلام بنفس القدر الذى يحبه أستاذ فى علوم الذرة مثلاً.
وصحيح أن أفلام السينما فن يعبر عن صُناعه ككل الفنون، ولكنه بلا جمهور كبير يصبح تعبير ناقص، وجملة لم تكتمل، وحكاية لم يستمع إليها أحد.
فيلم «ديكور» هو آخر الأفلام المصرية التى تُعرض قبل انقضاء العام لو تغاضينا عن إعادة عرض فيلم «حلاوة روح» الذى يعد فيلما تم عرضه بالفعل من قبل، و«ديكور» من تأليف وإخراج أحمد عبدالله أحد أهم شباب السينما المستقلة فى مصر، فهو الأكثر إنتاجاً بينهم، فقد قدم حتى الآن أربعة أفلام هى هليوبوليس وميكروفون وفرش وغطا ثم أخيراً ديكور، وأحمد هو كاتب ومخرج أفلامه كطبيعة تلك السينما المستقلة التى تنحاز لسينما المؤلف.
فيلم ديكور أهم ما يميزه أو يفصله عن غيره من الأفلام أنه فيلم أسود وأبيض فى زمن الألوان، وقد قرأت تعليقاً للمخرج يقول فيه كنت أحلم بصناعة فيلم أسود وأبيض، وها هو قد حقق حلمه ولكن من حقنا كمشاهدين أن نسأله ما الذى أضاف للفيلم كونه أسود وأبيض غير اختلافه عن السائد وهو الملون، ولكن دعنى أطرح أولا موضوع الفيلم وحكايته الذى يحكى عن مهندسة ديكور سينمائى تختلط لديها الرؤية بين حياتها فى عملها كمهندسة ديكور وبين شخصية بطلة الفيلم فى الديكور الذى تنفذه، فهى تعيش الحياتين، حياة امرأة متحررة وزوجة عصرية، وحياة أم معلمة وزوجة تعيسة، ويظل المشاهد فى حيرة فأيهما هو الحقيقة وأيهما هو الخيال، وحتى حين تأتى نهاية الفيلم لا تستطيع كمشاهد أن تجزم بأى منهما الحقيقة، فقد ينحاز كل مشاهد لما يريد من حقيقة.
قام بأداء البطولة حورية فرغلى وخالد أبوالنجا وهو وجه مفضل لدى المخرج، فقد عمل معها فى أكثر من فيلم ويشاركهما ماجد الكدوانى. حورية ممثلة موهوبة جداً وإن كانت أحياناً تستهلك موهبتها فى أعمال لا تحتاج تلك الموهبة، ولكن هذا فيلم كان يحتاج موهبتها، أما خالد وماجد فهما اختياران موفقان من المخرج ولنفسيهما.
السيناريو الذى كتبته لأول مرة شيرين دياب مع محمد دياب يمتاز ببكارة الفكرة، غير أن إيقاع الفيلم خصم من تلك البكارة، فقد يتسرب الملل إلى مشاهده وقد يكون ذلك مسؤولية المخرج وهو فى الأصل مونتير، فلو أن الفيلم امتدت له يد المونتاج قليلاً لمنحته حيوية أكبر وكسرت حاجز الملل.
السينما المستقلة البعيدة عن يد شركات الإنتاج تسمح لصُناعها بصناعة سينما مختلفة بعيدة عن مواصفات النجم والشباك ومتطلباته، لكن هذا لا يعنى أنها تستطيع الاستغناء عن الجمهور، لذا فعلى صناعها أن يجدوا طريقا وسطا للقاء الجمهور، كل الجمهور أو كثير منه على الأقل، ربما وجد فيلم «ديكور» تقديرا فى كثير من المهرجانات التى شارك وسيشارك فيها لكنه بالتأكيد سيفتقد هذا فى عرضه جماهيرياً، فربما جاء فيلمه الأول هليوبوليس هو الأكثر حميمية لعموم الناس، ولكن يبدو لى أن تجاربه التالية أكثر قرباً لأحلامه الشخصية فى التجريب، وهى تجارب تُحترم، ولكن لماذا لا نستطيع أن نجد طريقا وسطا يلتقى فيه الحالمون من الفنانين مع أكبر قدر من الجمهور علهم ينهضون بالذوق والفكر؟!.. وهو ما أتمناه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة