ساد الصوفية أزمانا مضت بتفانيهم فى الحب لدرجة أنهم بنوا عليه كل عقائدهم الراسخة وهذا الترابط الغامض بين المريد وغاية المراد، ويلخصون هذا بقولهم «من ذاق عرف».. ونحن لم نعرف حتى الآن متى وكيف يتحول الإنسان من «مؤمن» إلى «ملحد»؟.. وهل فقد الملحدون الذوق أم أن حاسة المؤمنين تضعف مع الزمن؟
تستطيع ألا تقلق من تزايد أعداد الملحدين، مادامت شعبية «داعش» تتزايد وأساليب النفاق تتطور.. القلق الحقيقى هو تزايد ما يمكن أن نسميه مجازا «عبادة التقاليع» تلك التى تصنع نفوسا مشوهة، لا هى ملحدة بالكامل، ولا مؤمنة حتى النهاية، وتتأرجح تلك التقاليع بين شعارى إعمال العقل وإهماله، وبعضهم حجته جاهزة: فلا البيت أخرج أجمل ما فيه ولا المدرسة قلمت مخاوفه، ولا المجتمع يقوى على احتوائه، إذن فالكل باطل وقبض الريح.
المشكلة والحل يدوران فى فلك هذا الجزء الضئيل من الدماغ، فهذا «لا منتمى» يعبد عقله ولا يرضى به شريكا، وهذا يبالغ فى عبادته حتى يصل إلى تقديس سفاسف الأمور، فهل نحن فى حاجة ماسة لنقطة فى المنتصف نلتقى فيها؟ لا أظن أن هذا الأمر ممكن اليوم فى ظل هذا التحفز، فما الحل إذن؟.. أعتقد أنه يكمن فى الرجوع للقيم الأساسية للأديان السماوية التى انتشرت على وعد بعدم الإكراه، وكذلك العودة إلى أهم متلازمات حرية التعبير والفكر المتمثلة فى عدم التجريح أو التحقير من الرأى الآخر، فلا الإجبار والتضييق سيقللان عدد الملحدين، ولا الاستهانة بمقدسات المؤمنين ستمنع الناس من اعتناق الأديان أو ترفع من شأن الرافضين لوجودها.
والأديان السماوية، هذا البنيان الصامد لمئات السنين رغم كل ما تعرض له من ضربات، لن يتأثر بمئات فضلوا الإلحاد على الإيمان بقدر ما تزحزحت عقائد من ركائزها بفعل فتوى خرقاء وتضييق يخرج الناس من دينهم ودنياهم، بعضنا للأسف يعتبر أن تطور الفكر الدينى يضعف العقائد، ومثلهم آخرون يعتبرون هذه الفوضى الحاصلة من شعور المتطرفين بالقوة وتزايد الشعبية يمثل «حلاوة روح» للأديان السماوية قبل تلاشيها مقابل سلطان العقل.
الحقيقة الراسخة من دروس التاريخ وطبائع البشرية، أتباعها فقط هم من يحتاجون للتنفس بهدوء والتفكير بعقلانية بدلا من التشنج ومعاداة العقل والعرف والمنطق.. فليس كفرا أن تلجأ لمحرك جوجل قبل ركعتى الاستخارة، بل قمة الحماقة أن تتضرع إلى الله بالنوافل لكى يلهمك اختراعا مثل جوجل دون أن تتعب، مكتفيا بالصراخ «اللهم نصرك الذى وعدت».