مارينا فارس تكتب: الجميلة السمراء

الأحد، 28 ديسمبر 2014 04:08 م
مارينا فارس تكتب: الجميلة السمراء صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا أحرص على شراء البن بكميات قليلة، كمية تكفى حاجة أسبوع واحد، لكى أحصل على بن طازج أولا بأول ولكى يتسنى لى الذهاب إلى محل السعادة حيث يبيعون البن، فى ذلك الشارع العتيق، أقطع مشورا طويلا كى أحصل على مسحوق السعادة.

للقهوة سحر خاص يختلف عن أى مشروب آخر، ليس فقط فى مذاقها ورائحتها بل أيضاً فى طريقة إعدادها. ومقدار سحر القهوة يتوقف على الأشخاص. فنجان صغير من القهوة مع الأصدقاء قادر على محو كل عناء اليوم الطويل.

قد تشربها وحدك فتغرق أنت وأفكارك فى عالمها، لكن الأجمل أن أصنعها لصديقتى عاشقة القهوة فأذوب فيها ملعقة سكر وملعقتين حب، وأصبها فى الفنجان فتداعب بطرف أصبعها وجه قهوتها ثم تقبله بطفولة نادرة، وأحكى لصديقتى التى لا تحب القهوة عن سحر النكهة وأخبرها كم تخسر من سعادة بدون فنجان من القهوة تشربه على مهل رشفة رشفة.

أنا بطبعى لا أحب أن يتسلط على أى شىء مهما كان تافها، يعجبنى قول الشاعر الفلسطينى محمود درويش: "أُحب الشىء ثم أنقلب عليه لئلا يستعبدنى"، لكن تلك الساحرة لا يجدى معها انقلاب ولا حتى ثورة، تلك الجميلة السمراء.. تتسرب رائحتها إلى روحى كضوء القمر حين يسقط على فراء قطة مدللة.

يبدو أن درويش قد أخفق مثلى فى الانقلاب على القهوة حيث اتخذها كرمز للحياة والسلام فى مقابل الحرب والقذائف فى وصف يوم طويل من أيام حصار بيروت عام 1982 فقال: "أريد رائحة القهوة. لأتماسك، لأقف على قدمى. كيف أذيع رائحة القهوة فى خلاياى، وقذائف البحر تنقض على واجهة المطبخ المطل على البحر لنشر رائحة البارود ومذاق العدم، أريد هدنة لمدة خمس دقائق من أجل القهوة، لم يعد لى من مطلب شخصى غير إعداد فنجان القهوة، فالقهوة لمن أدمنها مثلى، هى مفتاح النهار، والقهوة، لمن يعرفها مثلى، هى أن تصنعها بيديك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام".

تلفنى الرائحة وتأخذنى حركة وصوت المطحنة التى تعرف وحدها سر القهوة، استرق النظر علنى ألمح الجنية التى تتلو أغنيات تُكسب القهوة ذلك السحر، ولا يوقظنى من أفكارى إلا صوت البائع حين يعطينى ما طلبت أخذها بعينين شاكرتين، أمسك اللفافة التى يفوح منها العبير، أفضل ألا أضعها فى حقيبتى، أحب أن أمسكها بيدى وأمضى طول الطريق أتخيل حجم البهجة التى ستمنحنى إياها بمجرد أن أصل للمنزل وأبدأ فى إعداد قهوتى، فأدخل إلى عالم من السحر واقع فى حب الجميلة السمراء.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة