محمد أبو الفضل يكتب: الفوضى الخلاقة

الأربعاء، 03 ديسمبر 2014 08:09 ص
محمد أبو الفضل يكتب: الفوضى الخلاقة ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

منذ سبعينيات القرن المنقضى أو ربما قبل ذلك بدأنا نسمع عن ما سمى بـ"نظرية الفوضى الخلاقة" من خلال تصريحات وتسريبات مصادر أمريكية وغربية، وأنها مخططات أو توجهات المقصود منها دمار المنطقة العربية ليس غيرها، ولم نكن نعى أوندرك ماهية تلك "الفوضى الخلاقة" فهى ليست إلا خلطًا للأوراق وإعادة ترتيب الأنظمة والأوضاع العربية وفقًا لما تقتضيه المصالح الغربية والأمريكية الصهيونية، وكان هناك الكثيرون ممن يتهموننا بشدة الحساسية المفرطة تجاه السياسات الأمريكية الصهيونية والغربية وسوء الظن، حتى بدأت تتكشف الأمور وينقشع الظلام ويتضح الغموض من خلال سير الأحداث المأساوية فى المنطقة العربية طوال العقود الأخيرة من القرن المنقضى وحتى الآن، البداية كانت من أحداث العراق وما حدث من تآمر عليه أدى إلى تدمير جيشه القوى واحتلال أراضيه والإتيان بنظام ذى ولاء مزدوج بين الأمريكان والإيرانيين.

واتضح بعد ذلك أنه ما هو إلا بداية للفوضى الخلاقة أو "الخانقة" بمعنى أعم وأشمل، فمن وقتها لم يهدأ للشعب العراقى بال أو حال فى ظل النظام الشيعى فكل يوم نسمع ونشاهد عبر الفضائيات تفجيرات وحوادث وقلق وفوضى، واستمرت الفوضى الخانقة فى مسيرتها لتتجه نحو السودان لتشعل فتيل نار الفتنة هناك بين شمال البلاد وجنوبها وحدث فى النهاية ما كان مخططا له ألا وهو انفصال جنوب السودان وتكوين دولة مسيحية فيه أسوة بما حدث لجزيرة تيمور الإندونيسية التى تم فصلها عن إندونيسيا بحكم أن غالبة سكان تلك الجزيرة يدينون بالدينة المسيحية، وتلك دائما هى حجج ومبررات الأمريكان والغرب عند ما يريد تنفيذ أية مخطط أو أجندة له فى أية منطقة وخاصة فى الشرق الأوسط.

لم يقنع الغرب بما حققوه من مكاسب بفصل جنوب السودان عن شماله فالعملية ما زالت قائمة ولن تنته إلا عندما ينجحون فى تمزيق السودان كليا وهذا هو الغرض المأمول القابع فى نفوسهم، فهناك الآن قضية دارفور وبعدها ستأتى قضية النوبة وهلم جرا، وأصبح أهم سلاح يستعمله الغرب فى كل مناطق العالم وبالذات فى المنطقة العربية والشرق الأوسط ككل لهشاشة الأنظمة الحاكمة لدول المنطقه هو سلاح الطائفية وتأجيج الصراعات المذهبية والدينية والنفخ فى دخان المناطقية لتشتعل أكثر وأكثر كما يحدث الآن فى العراق والسودان وليبيا وسوريا وكما سيحدث قريبًا فى مناطق عربية أخرى، وربما أن الطبخة الغربية الأمريكية الحالية أقصد ثورات الربيع العربى ستسرع بنتائج الفوضى الخناقة، فهى طبخة أعدت على نار هادئة طوال عقود مضت وبخبرة شيف ماهر وآن موعد قطافها، اشتعلت جذوة النار فى تونس وامتدت كالنار فى الهشيم إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين وغيرها من الدول العربية التى ترزح تحت أنظمة "جمهلوكية" ديكتاتورية مستبدة فاسدة متخلفة وهى من أعطت المبرر والحجة القوية للثورة عليها واقتلاعها من جذورها.

فقد طال الأمد والشعوب العربية تتوجع وتئن كثيرًا من شدة وطئتها ونتج عن ذلك إجماع شعبى على ضرورة قلعها من جذورها، ورأت أمريكا والغرب فى ركابها أن يتم ذلك تحت مجهرها وبرعايتها أو بإيحاء ووازع منها أفضل من أن يحدث التغيير بعيدا عنها إتباعا للمقولة (بيدى لا بيد غيرى) فكانت تقليعة موضة ثورات الربيع العربى التى يتبين بوضوح وبديهيا دون نقاش أو جدال أن أيدى أمريكا والغرب ليست بعيدة عن ذلك المشهد العربى والتغيير المفاجئ، فهى من رحبت وباركت ولا يدلان إلا عن رضاها وأطمئنانها الكامل تجاه ما يحدث وقناعتها أنه فى صالحها، وأيضا عدم حدوث أى قلق صهيونى يؤكد أن وراء الأكمة ما وراءها، ومع ذلك ولأن ثورات الربيع العربى حدثت من خلال أنتفاضات أشعل جذوتها الشباب وأدت إلى اقتلاع الأصنام التى كانت قابعة على صدور الناس عقود طويلة وتخضع الشعوب لإرادتها واستبدادها وفسادها فقد رحبت و باركت الأغلبية من الشعوب العربية تلك الثورات وأيدتها باندفاع عاطفى جياش وغير عقلانى ورب ضارة نافعة.

وكنا نأمل فى أن نرى الشباب العربى زهور الأوطان ورياحينها وبالذات من لهم الكفاءة والتأهيل العلمى والخبرة يتبوأون السلطة والمناصب العليا والقيادية فى البلاد وفى كل البلدان العربية الأخرى تحقيقًا لثورتهم البيضاء ومطالبهم العادلة والإنسانية وحتى لتطمئن قلوبنا بأن شبابنا حققوا وسيحققون كل الإرادة الشعبية فى التغيير نحو الأفضل، بعيداً عن الأصنام المتحجرة العتيقة عبيد النظام السابق أو من قيادات الأحزاب المهترئة التى أكل عليها الدهر وشرب، ولكن تأت الريح بما لا تشتهى السفن , وإذا بنا تخيب آمالنا فنجد أن عناصر النظام السابق لم يخرجوا من اللعبة وسعوا فى تقاسم السلطة ، وأن تلك الأحزاب المتهالكة بقياداتها الكهلة والصنمية قد أحتوت الثورة الشبابية التغييرية وركبة موجتها لتساوم وتداور لتتقاسم السلطة والبلاد فيما بينها وبين النظام السابق بالتساوى، أى قسمة أخوة كما يقال ولكن ( حلمنجى بنا بيت فلسنجى سكن له فيه ) وأنقض الإخوان والموالين لهم من جماعات تيار الأسلام السياسى ويستحوذوا على الكعكة كاملة ويهمش الشباب الثوار ومن أتبعوا من المهترئين وإذا بشباب الثورة هناك فى الساحات جعلوا من هؤلاء المهترئين مجرد مقام من مقامات الأولياء يتمسحون بهم لمناكفة بعضهم البعض، يعلنون الولاء لهذا ثم تنفصل مجموعة لتعلن الولاء لأخر وهكذا حتى جلس الفشله بعدما حصلوا على التقدير والعرفان من الشعب لا ندرى على ماذا ؟ صار نعيم السلطة وخيرها من نصيب منهم سبب بلاء البلاد والعباد من أولئك المرضى الحاقدين على الوطن والمواطنين شيوخ السياسة والمنافقين الجدد الذين أنتهت صلاحيتهم فى العمل السياسى قبل أن تبدأ ، فبعضهم تجاوزت أدنى الصفر فى الدرجات الذى حصل عليها سياسيا ، بينما الشباب صاحب المصلحة الحقيقية مهمشين لا يعبأ بهم إلا عند الحاجة لأخذ صكوك الغفران منهم المتمثلة بالشهادات التقديرية والدروع كتلك التى وزعت آنذاك .
أى أن الشباب بدلاً من أن يكونوا هم الحاكمين والمتصدرين لقيادة البلاد صاروا مجرد حالة ديكورية بعد أن التهمت الأحزاب الدينية وجماعة الإخوان المتأسلمين ثورتهم وتأسدت عليهم، ولم تحقق شيئاً مما طالب به الشباب ، فلا فساد أنتهى ولا بطالة قضى عليها ولا أى مطلب حقق على الواقع ولا أدنى تباشير لذلك ، رغم مضى أكثر من ثلاث أعوام فى ذلك الوقت، بل حتى التشكيل الوزارى والمحافظين ونواب الوزراء لم يمثل الشباب فيها نهائيا.

كانت القضية فى مجملها زمن نظام الإخوان الفاشل فيها إقصاء للشباب وتهميش لهم وتجاهل لتضحياتهم الجليلة بالغالى والنفيس وما تعرضوا له من قمع وقتل فى عدة أحداث ووقائع ، سواء فى ميدان التحرير بالقاهرة أو بالميادين فى جميع المحافظات ،وأدرك الجميع أنه لن تكون هناك ثورة أو تغيير صادق إلا إذا عادت الثورة لأصحابها ولشباب مصر ليخوضوا تجربة الحكم والسلطة فهم أدرى بما يريدون وما يطمحون إليه ،فكانت الموجة الثانية للثورة أعد لها الشباب العده وساند الجيش ثورتهم وفوض الشعب الجيش لأعادة مكتسبات الثورة التى سلبت منه وكان يوم 30يونيو يوم النصرة الذى أعيدت فيها الثورة إلى مسارها الطبيعى وأخيرا أريد أن أوجه رسالة للمشايخ والدعاة السياسيين وكذلك للكهول والمعتقين ممن ملوا أنفسهم وملهم الناس.... أكرم لكم الانزواء فى بيوتكم وأن تكنوا فيها تستغفروا لذنوبكم حتى يدرككم الموت،فذلك أرحم للبلاد والعباد ،والحياء يا سادة يا كرام يقولون أنه من الإيمان ومن لا حياء له لا إيمان له ..

فيا منافقى الماضى البعيد والحاضر القريب ويا كهول الحاضر أتركوا لشباب الحاضر ورجال المستقبل أن يسهموا فعليا فى بناء وطنهم (مصر الجديدة) والمشاركة الفعالة فى تنميتها وصنع الحاضر والمستقبل المأمول المشرق المجيد بعون الله ،وأحتراما لكم إذا احتاجوا لخبرتكم فلن ينسوكم ولن يستغنوا عنكم ،مع أنى أشك أن يكون عندكم شيء ينتفع به لبناء وطن الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة والتنمية الشمولية ،و ندعوا لكم ولنا من الله حسن الخاتمة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة