أوصت الفنانة الراحلة صباح محبيها بألا يحزنوا ويبكوا لرحيلها، بل أوصتهم بأن يرقصوا ويدبكوا، وهذا ما حدث فى 30 نوفمبر الماضى فى مشهد غريب على الثقافة العربية، لكنه إنسانى وراق.. قدمت إلى القاهرة من بلاد الحلوى والفاكهة، وكان صوتها هو «الحلو» على مائدة الغناء المصرى الحزين بالفطرة، القديم قدم الحياة والموت. لم يشعر المصريون أنها غريبة، رغم أن ملامحها تشبه لوحات عصر النهضة فى أوروبا، ومنذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضى أخذ صوتها مكانته اللافتة فى حديقة الأصوات التى غطى أريجها الوطن العربى الكبير، وفى الوقت نفسه تجلى جمال صوتها على حقيقته فى الأغانى اللبنانية والمواويل الجبلية ذات الامتدادات الصوتية، خصوصًا عندما ينتقل صاعدًا من طرفه الثقيل إلى طرفه الحاد والعكس، وعلى الرغم من الفروق الجوهرية بين مدرستى الغناء، كانت صادقة فى الحالين.
استثمر ملحنونا الكبار صوتها استثمارًا مبهرًا، خصوصًا الأستاذ عبدالوهاب، وكمال الطويل، وبليغ حمدى، ومحمد الموجى، بعد أن أشار العبقرى محمد فوزى إلى إمكاناته الشعبية الشيك التى لا تعتمد على الفتونة، ولا على الاستسهال، لكنها تعتمد أكثر على الانفعال الفطرى الصادق الذى يمسك كل واحد منا نفسه وهو يردده دون وعى.. صباح صوت نقى، يذكرك بفاكهة لا تُشبع، صوت يبعث على الطمأنينة والسلام والرضا، صاحبته عاشت حياة مليئة بالنجاحات والإخفاقات، عاشت كما أرادت، صادقة، مقبلة على الحياة، غنت لمصر وجيشها، خاضت معارك شعبها ضد أعدائه، دخلت قلوب الناس وبيوتهم بابتسامتها المحببة، سكنت شارع الحب، وعاشت عنوانًا للبهجة، ورحابة الأيام الواسعة.. رحمها الله ورحم أيامها.