ش لا أعرف عدد الذين يمتلكون حسًا رهيفا يجعلهم يستثمرون آخر يوم فى السنة ليعيدوا النظر فيما فعلوه طوال هذا العام، ولكنى واثق أن ثمة كثيرًا من البشر يتمتعون بفضيلة النقد الذاتى، وهى فضيلة كدنا ننساها بكل أسف.
حتى هذه اللحظة يؤكد التاريخ أن البلدان التى تقدمت وأبحرت فى نهر الحضارة هى التى أدركت قيمة النقد الذاتى، فلا يمكن أن تتخذ الدول- أو الأفراد- قرارات صحيحة على الدوام، ولا يعقل أن يظل سلوك المرء سويا ومتسقا باستمرار، فما من أحد لم يذق مرارة الخطأ، وما من إنسان لم يعرف التصرف الأحمق!
إن الفرق بين الشعوب التى تفكر وتخترع وتصنع وتنتج الفنون والآداب، وبين الشعوب البليدة التى تعيش عالة على إبداعات الآخرين يكمن فى جزء كبير منه على حكاية النقد الذاتى هذه، ذلك أن الإنسان الذى يراجع أفكاره ويحاسب تصرفاته ويحاكم قناعاته باستمرار هو الذى يصل بالتأكيد إلى نتائج أفضل، فلا يمكن للمرء أن يعانق الصواب على طول الخط، ولا يعقل أن يحبس الإنسان أفكاره فى سجن الماضى، فيغدو القديم متحكمًا فى الجديد، ويبيت الأوائل هم فقط الذين يملكون الحكمة والرأى السديد، بغض النظر عن التطورات التى تتلاحق كل يوم، بل كل لحظة.
لن أقول لك «انظر خلفك فى غضب» كما أطلق الروائى الإنجليزى «جون أوزبورن» هذا العنوان على إحدى رواياته المحتشدة بالسخط على قادة العالم الذين جرّوا البشرية إلى حرب عالمية مدمرة فى الأربعينيات من القرن الماضى، ولكنى سأرجوك- كما أطالب نفسى- أن نعيد تقييم ما فعلناه طوال هذا العام الذى سيتلاشى فى منتصف هذه الليلة.
سل نفسك: كم كتابًا قرأت؟ كم فكرة أعجبتك؟ كم فيلمًا شاهدت؟ كم مظلومًا أنصفت؟ كم عدد الذين وقفت بجوارهم فى المحن التى مرت بهم؟ كم لفظا جميلا نطقت؟ كم لفظا فاحشا بذيئا تطاير من فمك؟ وهل ندمت؟
فى نهاية هذا العام علينا إعادة النظر فى قناعاتنا وأفكارنا، لننقيها من الشوائب ونمزجها بأفكار أكثر إنسانية وتحضرًا.
دعنا نحاول.. وكل عام وأنت طيب.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
كثيرون هم من يمتلكون حسا مرهفا ولكن نظام الغابه غير طبائعهم واخلاقهم واحوالهم
بدون