يصنع الجمهور نجومه من ممثلى السينما ببناء أسوار من الأحلام تخص الجمهور ذاته لا النجم، فتلك هى السندريلا التى يتوهمها الجمهور، وأخرى هى القطة، وثالثة هى الأميرة، ورابع هو الوحش، وهكذا يرى الجمهور نجومه بخيالاته وأحلامه تجاه هذا النجم أو هذه النجمة، وهكذا هى السينما والفن الذى يبنى للناس أحلامهم ويحققها فى عالم افتراضى يصنعه المؤلف والمخرج والممثل، ويعيشه الجمهور.
وما أسوأ أن يجرح أحد هذا الخيال فكأنه خرق الناموس وفعل فعلة شنعاء فى عامة الجمهور، وأتذكر منذ سنوات حين ظهرت الراحلة مريم فخر الدين وحكت فى حوار تليفزيونى عن الواقع الذى كانت تشعر به فى مشاهد الحب الرومانسية مع كبار نجوم مصر مثل حليم وعماد حمدى وغيرهما، وكيف أنها كانت تشعر بقرف من فلان وهى تقبله وكيف كانت مشاعرها وقتها، خرج الناس غاضبين منها ورموها بالخرف لا لشىء إلا لأنها جرحت أوهامهم وأحلامهم فى الأميرة إنجى وقصص حبها، رغم أن المرأة لم تقل إلا الصدق بالنسبة لها، ولكن من قال إن الصدق مطلوب من النجوم؟ وما بين الوهم والحقيقة تلك هى الحكاية.
بيل كوسبى الأمريكى الأسطورة الذى يبلغ من العمر 77عاماً وهو مؤلف وممثل ومنتج وموسيقى وناشط، زوج وأب لخمسة أبناء، وهو بطل ذى كوسبى شو الذى يُعرض على كبريات القنوات التليفزيونية الأمريكية منذ الثمانينيات ويحظى بأعلى مشاهدة تليفزيونية ومنحه هذا المسلسل لقب America`s Dad أو أبو أمريكا، كما منحته لقب الأمريكى الحنون، ذلك أنه مسلسل كوميدى يحكى عن أسرة سوداء من الطبقة المتوسطة وتفاصيل حياتها اليومية وعلاقاتها بمحيطها، بل إن كوسبى كان الوجه الإعلانى لكثير من المنتجات العالمية مثل كوكاكولا وكوداك فيلم والمنتج الشهير بودينج فدج، وهو كذلك ملك الستاند أب كوميدى على المسارح الأمريكية والحاصل على الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات مرموقة، وكذلك عضو مجلس إدارة جامعة تمبل بفليدالفيا، إذاً بل كوسبى الأسطورة التى يقف لها نجوم هوليوود إذا ظهر على مسرح، ويعشقه الجمهور أباً حنوناً فى التمثيل هو ليس أى نجم، ولكن كل هذا وأكثر ضاع فى الأسابيع الماضية بل تكاد أسطورة بل كوسبى أن تنتهى، وذلك لأن الممثل الذى كان الأب الحنون فى مخيلة جمهوره متهم من قِبل خمسة عشر سيدة بالاعتداء الجنسى عليهن.
وصار عنوان هوليوود تصفع الباب فى وجه كوسبى الأسطورة هو العنوان الذى يردده الإعلام ناشراً أخبار السيدات وشهادتهن على اعتداء كوسبى عليهن، وكذلك عن قرار المحطات التليفزيونية وقف عرض الموسم الجديد من مسلسله بعد الإعلان عنه، كما اضطرت جامعة تمبل لقبول استقالة كوسبى من مجلس إدارتها فيما يشبه الإقالة، أما الجمهور فراحت التعليقات تتساءل: كيف بالأب الحنون أن يكون وحشاً، أو كيف بالرجل الذى لعب دور كليف هكستابل «وهو اسم كوسبى فى المسلسل» رجل الأسرة والأب الأمثل أن يفعل ذلك؟
وهكذا لم يستطع الإعلام ولا الجمهور أن يفصل بين كوسبى الممثل الذى يقوم بدور الأب الحنون وبين الرجل الذى اسمه بل كوسبى وليس هكستابل.
وبغض النظر عن تفاصيل الجريمة والاتهام الذى مازال اتهاما ولم يثبت فإن هوليوود صفعت الباب ولو مؤقتاً فى وجه أسطورتها لأن الجمهور لا يستطيع ولا يريد أن يفصل بين الممثل الذى يمنح الحلم والإنسان الذى يحمل الفجور والتقوى، ورغم أن هناك أصواتا داخل نفس هذا الإعلام وداخل الجمهور تنادى بعرض أعماله لكى يتعلم الشعب أن هناك فرقا بين الممثل والإنسان، لكنها أصوات خافتة مقارنة بالأصوات الصارخة المطالبة بإبعاده رغم أنه فقط متهم ولم تحكم عليه محكمة.
فى مصر جدل قائم حول حق نقابة المهن التمثيلية فى سحب ترخيص ممثلة شابة قضت حكما بالحبس لتعاطيها المخدرات، وهناك بعض أصوات تهاجم النقابة لهذا القرار ولسان حالهم يقول من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر، ولكن المشكلة ستظل قائمة بين الجمهور وبين هذه الممثلة الشابة الموهوبة، فهل يمكن أن يصدقها لو أدت دور فتاة عاقلة تنهر شابا لأنه يتعاطى المخدرات؟ لا أظن حتى لو أدته بمهارة تمثيلية عالية.
الفنان إنسان مثلنا جميعًا وكثير منهم مثلنا أيضًا يحمل الفجور قبل التقوى، ولكن من وراء حجاب، أما لو عرف الجمهور فإنه لا يغفر له لأنه خدش الوهم لديه، حتى لو صرخ فيهم أنا لا أكذب ولكنى فقط أمثل لأن التمثيل مهنتى.