لم يخطر ببالى يوما، وأنا دارس التاريخ المصرى عبر عصوره المختلفة، أن يأتى زمان، كزماننا هذا، يصدر فيه قانون «ازدراء الثورات»، أو كما أطلق عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، «قانون لتجريم الإساءة إلى ثورتى 25 يناير و30 يونيو»، هذا القانون يؤسس للديكتاتورية فى أبشع صورها، ويتقاطع مع كل مطالب وشعارات الحرية، التى صدعونا بها من خرجوا فى الثورتين، وجعلوا منها «لبانة» يمضغونها ليل نهار، وفى «الرايحة والجاية»، ثم يضجون من انتقاد الثورة، وكأنها الذات الإلهية.
قانون ازدراء الأديان، كان - وما زال - سيفا مسلطا على رقاب المبدعين من الأدباء والكتاب والفنانين، وأداة من أدوات البطش استخدمه نظام مبارك ضد معارضيه من المثقفين، عندما كان يحرض محامين بعينهم لتحريك قضايا ازدراء الأديان ضد خصومه، والخوف، كل الخوف، أن سيناريو ازدراء الثورتين، الذى طالب به أدعياء الثورة، وكهنة المعارضة الوهمية، وتحول إلى حل سحرى للسلطة القائمة، يجد طريقه للتطبيق على غرار قانون ازدراء الأديان، ومن ثم سيطول الجميع، وأولهم القابعون خلف مواقع «المراحيض العامة» الفيسبوك وتويتر، وسيدفع المعارضون من الأحزاب والحركات ونشطاء «الغبرة» ثمنا باهظا من حرياتهم.
أما السلطة الحالية فستقع فى فخ الاختبار الحقيقى عند إقرار القانون، وهل تستطيع أن تنفذه، أم ترتعش أيديها، وتغض الطرف، وهو ما سيدفع بها تحت مقصلة الاستهجان الشعبى، خاصة أن التجربة العملية، طوال الأشهر الماضية، أثبتت أنها مرتعشة، ومترددة، وتخشى الأصوات العالية، وترتجف من أقل ناشط يهاجمها. هذا القانون سيدشن للتكفير السياسى، وسيزيد من تأجيج واشتعال الوضع العام، ويقع المجتمع بين «مطرقة» فتاوى التكفير الدينى المنتشرة حاليا كانتشار النار فى الهشيم، والذى تسخره الجماعات المتطرفة لتحقيق مصالحها، و«سندان» فتاوى التكفير السياسى، وازدراء ثورتى 25 يناير، و30 يونيو.
أنا متفق على أنه من الضرورى أن يكف الجميع عن ممارسة لعبة الابتزاز السياسى الرخيصة بالمقارنة بين الثورات، بداية من ثورة الشعب المصرى ضد الملك بيبى الثانى، وحتى ثورة 30 يونيو، بهدف تحقيق مصالح خاصة، سواء الذين نصبوا أنفسهم اتحاد ملاك ثورة 25 يناير، أو اتحاد ملاك ثورة 30 يونيو، ولكن بالممارسة السياسية الناضجة، وليس بوضع القوانين التكفيرية.
قانون ازدراء الثورات وبال حقيقى للحريات فى مصر، و النشطاء وحلفائهم من كهنة المعارضة «الفاشلين» بجدارة فى كل الاستحقاقات الانتخابية، أعطوا الفرصة كاملة للسلطة للتدخل بشكل قانونى ومقنن لقمع الحريات، وهو أمر غريب وشاذ، وفيه تناقض وارتباك، وغياب للرؤية، والبعد عن المنطق والعقل، لهؤلاء المراهقين سياسيا من النشطاء وأدعياء الثورة، وكهنة المعارضة، الذين ينادون بالحريات «أقوالا»، ويقمعونها «أفعالا»، وللأسف أن السلطة تسير خلفهم كالقطيع!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة