حصول الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك على أحكام بالبراءة، فى قضايا الفساد والتحريض على قتل المتظاهرين خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير، بكل تأكيد أنها أحكام صحيحة وفقاً للقانون، وكلنا على علم منذ أول يوم بعد قرار إحالة مبارك وأعوانه للمحاكمة أنه لا يوجد دليل واحد ملموس على إدانته بناءً على الأوراق المقدمة لهيئة المحكمة، والقاضى لا يوجد عليه أى لوم على قرارات البراءة، فالمسئول الأول على خروج أحكام البراءة هى هيئة دفاع أسر الشهداء وأبرزهم الثلاثى سامح عاشور نقيب المحامين، وخالد أبو بكر المحامى الدولى وأمير سالم المحامى بالنقض، والذين فشلوا فى تقديم أوراق أو استجواب شهود عيان حول القضية وانسحبوا مع مرور الوقت من حضور الجلسات، مما منح فريق الدفاع المنافس فرصة للتألق واللعب على اوتار القانون حتى حصلوا على البراءة.
حتى لا ننسى، مبارك خلال فترة حكمه على مدار 30 عاماً، أجرم فى حق المواطنين المصريين بجبروته وظلمه وفساده، وأصر على إقحام السياسة فى المجالات الأخرى داخل المجتمع مثل المؤسسات الدينية والاقتصادية والرياضية وغيرها لخدمته الخاصة ونظامه، فقد استغل منصبه ومعه ابناه جمال وعلاء باستخدام سلطاتهم لمحاولة السيطرة واحتكار المجال الاقتصادى من خلف ستار رجال أعمال آخرين.
حتى لا ننسى، مبارك قام بمساعدة أركان نظامه وتحديداً وزير داخليته اللواء حبيب العادلى على مطاردة جميع المعارضين حتى لا يتم تعريف الشعب بحقوقه ومحاولة التصدى للظلم حتى وصل الآمر إلى الناس من الخوف بترديد مقولة "خلينا ماشين جنب الحيط"، وزادت الأمور بدأ بعض الضباط يستخدمون قانون الطوارئ استخداماً خاطئاً، ويقومون بتصفية حساباتهم مع خصوم أو القبض على متهمين أبرياء وإلصاق التهم إليهم دون أن يفعلوا شيئاً، وعلى رأسهم أنصار التيار الإسلامى، حتى وصل الأمر إلى مطاردة معظم من يطلق لحيته واتهامه بأنه إرهابى، ومطاردة أبناء التيارين الليبرالى والعلمانى لمجرد الحديث فى السياسة والمطالبة بأبسط حقوق الشعب.
حتى لا ننسى، مبارك سخر كل أركان نظامه لخدمة ابنه جمال، مع بزوغ فكرة "التوريث" للحكم، بعدما أبدت سوزان مبارك رغبتها فى أن يتولى ابنها مقاليد الحكم فى مصر خلفاً لوالده مثلما حدث فى سوريا عقب تولى بشار الأسد حكم دمشق خلفاً لوالده حافظ الأسد، حتى لو جاء كل ذلك على حساب جثة الوطن.
حتى لا ننسى، مبارك استغل الرياضة بهدف إلهاء الشعب عن القضايا السياسية والاقتصادية الهامة، ففى بعض الأزمات، كان يتم الإيحاء لوسائل الإعلام الرسمية لإثارة قضايا وموضوعات رياضية وأحيانا حول كِـبار النجوم المقرّبين للجمهور لجذب الرأى العام بعيدا عن السياسة، وتكون من صناعة حكومية لصرف أنظار الناس بعيدا عن حالة الحِـراك السياسى، وكان دائما ما يتم تمرير قرارات خلال انشغال الناس بتفاصيل أحداث لقاء القمة بين الأهلى والزمالك، مستغلين أن كرة القدم هى محطّ اهتمامِ قطاعٍ كبير من المجتمع، وظهر ذلك من خلال تواجد جمال وعلاء فى العديد من المناسبات الرياضية خاصة كرة القدم، ومنذ عام 2006 كثف الثنائى تواجدهما مع منتخبنا الوطنى ومؤازرته فى المباريات على الساحة الأفريقية والظهور إعلامياً مع كل لقب إفريقى يتوج به فريقنا تحت قيادة حسن شحاتة ومعه كتيبة البطولات التى تضم العديد من النجوم على رأسهم محمد أبوتريكة، وذلك من أجل لفت انتباه الكثيرين عن طريق تسليط وسائل الإعلام الحكومية الضوء على جمال مبارك، كنوع من "التلميع الرياضى للوريث المنتظر"، واكتساب شعبية جماهيرية تساعدهم فى تحقيق مخططهم.
الاستنتاج الوحيد من خلال تحليل تعامل نظام مبارك مع السياسة أنه كان دون رؤية حقيقية وموضوعية حول عقلية وتفكير الشارع، وتعامل بغباء مع المشهد السياسى، قد لا يعجب هذا الاستنتاج البعض خاصة من مؤيدى مبارك، لكننا لن ندفن رؤوسنا فى الرمال كالنعام وننفى عن مبارك تهمة الفساد ومعرفته بقتل المتظاهرين إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير التى قلبت "الطاولة" على الجميع، بعد أن خرج الشعب والمهمشين المضارين من سيطرة النظام على الاقتصاد، وخرج أقطاب المعارضة (إسلاميين- ليبراليين- علمانيين)، وخرج ألتراس أهلاوى ووايت نايتس زملكاوى ومعهم جروبات الأندية الأخرى ليعلنون غضبهم ضد قمع النظام.
مبارك ونظامه فاسدون، فليس معنى حصوله على براءة بأنه ليس مداناً، والآن يكفينا حسابه عند لقائه ربنا سبحانه وتعالى، لكن أكثر ما يحزن هنا أننا على يقين بأنه مسئول مسئولية كاملة على الأحداث وأفسد البلاد، كما أننا فشلنا فى الحصول على حقوق الشهداء، وما يحزننا أكثر وأكثر هو حرقة قلب أم كل شهيد وكل ما نتمناه أن تسامحنا أمهات الشهداء على سكوتنا عن الظلم والقهر طوال 30 عامًا، ولعدم قدرتنا وعجزنا عن الحصول على حقوقهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة