قولا واحدا، أنا ضد انتهاك حياة الناس الخاصة، مهما كانت المبررات، صغيرها إن كان أو كبيرها، ولابد من تعظيم القيم الأخلاقية التى تصب فى هذا الإطار، وتحصينها بالقوانين المشددة، ومنذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى كتابة هذه السطور، ظهرت تسريبات، منها صوت وصورة، ومنها وثائق ومستندات، لشخصيات عامة، ونشطاء، ومسؤولين، بما يتجاوز عدد سكان دويلة قطر، وأثارت ردود أفعال كبيرة فى الشارع المصرى، وانقسم حيالها إلى حد التناحر.
البداية كانت تسريبات، لنشطاء محسوبين بقوة على ثورة يناير، تكشف تورطهم فى العديد من الأحداث التى شهدتها مصر، وهنا «هاجت الدنيا وماجت الأرض تعاطفا مع غضب النشطاء»، وخرجت سهام الاتهامات لتوجهها ضد مؤسسات الدولة الأمنية، واتهامها أنها وراء التسريبات، وتجنيد عدد من الإعلاميين لتشويه صورة شباب الثورة، واتهامهم بالخيانة والتآمر، ومطالبة كل من نشر أو ذاع هذه التسجيلات بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتقديمهم لمحاكمة عاجلة، وإعدامهم فى ميادين الثورة ليكونوا عبرة وعظة فى المستقبل لكل من يقترب من شباب الثورة النقى والطاهر.
إلى هنا يمكن أن تتفق أو تختلف مع انزعاج وسخط النشطاء والجماعات والحركات الثورية، وفى النهاية لا يمكن إلا أن تحترم رؤية شباب الثورة، بأن هذه التسريبات «حرام» وخطيئة كبرى، ومع التسليم بذلك «أخلاقيا»، فإنه يجب على الجميع أن يضع هذا النهج «دستورا» يجب تعميمه على الجميع «معارضة وسلطة»، لكن للأسف، ومع ظهور تسريبات الفريق أول عبد الفتاح السيسى إبان توليه وزارة الدفاع، ثم تسريبات - بعيدا عن حقيقتها من عدمه - المنسوبة للواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع، سارع النشطاء الذين كانوا يتباكون بالأمس ويجرمون التسريبات، ويهددون ويتوعدون، ليرحبوا بهذه التسجيلات، ويحتفوا بها أيما احتفاء، على اعتبار أنها تسريبات حلال، طالما تخص السلطة.
ازدواجية سمجة، ومعايير مختلة، ومراهقة سياسية، وهبل ثورى لا مثيل له، فكيف يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وينهون عن أفعال ويجرمونها، ويأتون بمثلها ويضعونها تحت إطار «الحلال والشرع»، فيجرمون التسريبات التى تخصهم، ويباركون التسريبات التى تخص السلطة، أو خصومهم، ويعدونها أمرا مقدسا!
بالعقل والمنطق، سياسة الكيل بمكيالين، وازدواجية المعايير حيال المواقف المتشابهة، التى ينتهجها البعض سواء كانوا من النشطاء أو السلطة، أو شخصيات عامة، تفقدهم احترام وثقة الشارع، ولا يمكن أن أصدقك عندما تصرخ و«تولول» عند إذاعة التسريبات الهاتفية الخاصة بك، وتبارك نفس التسريبات الخاصة بخصومك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة