أحاول ألا أصدق هذه النوعية من الأخبار المزعجة، وألا اعتبرها أخبارا صحيحة، وأعتبرها مدسوسة لتشويه صورة وسمعة مصر ووصفها بأنها «عدوة الفن والفنانين» بدليل منع السلطات الأمنية فيها دخول عدد من السينمائيين والمسرحيين العرب إلى أراضيها للمشاركة فى المهرجانات أو تصوير أعمال فنية.
هذه النوعية من الأخبار لو صحت - وهى صحيحة بالفعل بعد التأكد - فهى كارثة وتصل إلى حد الفضيحة، وتجب محاسبة المسؤول أو المسؤولين عن هذا الفعل المعيب والمشين الذى يتنافى تماما مع تاريخ وتراث مصر الطويل فى احتضان الفنانين العرب، ليس فى الخمسينيات والستينيات فقط، وإنما عبر سنوات طويلة منذ منتصف القرن التاسع عشر، ومع تولى الخديو إسماعيل مقاليد الحكم فى مصر، ومنذ هذا التاريخ ومع النهضة الحضارية تحولت القاهرة إلى ملجأ للفنانين والمبدعين العرب الهاربين من طغيان الحكم العثمانى فى الشام، ولولا ذلك ما نشأ المسرح المصرى على يد يعقوب صنوع، ولا الصحافة المصرية الحديثة على يد «آل تكلا» و«آل زيدان» فى الأهرام ودار الهلال.
لا أريد سرد التاريخ لهجرات فنية عربية إلى مصر التى اكتسبت سمعة عربية بأنها «هوليود الشرق» ومن لم تبدأ شهرته الفنية والإبداعية منها فلن يعرفه أحد، بل حصل العديد من الفنانين العرب على الجنسية المصرية مثل صباح وفايزة أحمد وفريد الأطرش ووديع الصافى وسليم سحاب، واعتبار القاهرة القبلة الأولى وربما الأخيرة للفن العربى. فما الذى تغير فى الشهور الماضية؟ هل تراجعت مصر عن دورها التاريخى وتنازلت عن لقب«هوليود الشرق»؟ ماذا يعنى أن يتم منع مدير التصوير الفلسطينى إيهاب عسل من دخول مصر لتصوير مشاهد فيلم المخرج هانى أبو أسعد الفلسطينى العاشق لمصر وواحد من أهم المخرجين فى العالم حاليا، وتم ترشيحه مرتين لجائزة الأوسكار؟
وهذه ليست المرة الأولى فى الشهور الأخيرة فقد تم أيضا منع المخرج الشهير الفنان محمد ملص من دخول مصر لحضور مهرجان الإسماعيلية بصفته رئيس المهرجان.
وهنا نتساءل من هى الأيدى الخفية التى تصدر مثل هذه التعليمات بمنع دخول الفنانين العرب إلى مصر؟ ألم يذهب هذا العصر بجرائمه وقراراته وتعليماته «الغبية» أم مازالت بقاياه تحمل معاول الهدم والتخريب؟ هناك من المسؤولين من يعمل ضد سمعة الفن المصرى وضد الرئيس شخصيا الذى أعلن وقوفه ودعمه لصناعة الفن والسينما.