لو أن العولمة وثورة الاتصالات والتكنولوجيا ووسائل المواصلات الحديثة ظهرت فى أيام الأفلام الأبيض والأسود لما حققت السينما المصرية هذا الإنجاز السينمائى الضخم، وهذا العدد من الأفلام، ولذلك نحمد الله كثيرًا على تأخر ثورة التكنولوجيا قليلًا رغم ما لها من مزايا كثيرة وعيوب كثيرة أيضًا. فالبطل أو البطلة فى أفلامنا القديمة لو كان يحمل فى جيبه الموبايل أيًا كان نوعه، أو الآى باد والجلاكسى، لتغيرت النهاية أو لما تم إنتاج الفيلم من الأصل، لأن السيناريو والحوار يقوم على المصادفات القدرية التى يسخر منها الجيل الحالى الذى عاش بداية الثورة - أقصد ثورة التكنولوجيا والإنترنت والاتصالات - وبالتالى لا تستهويه هذه النوعية من الأفلام القديمة لأنها لا تتوافق مع عالمه الافتراضى الغارق فيه، وثقافته العولمية التى تفعل فيه ما تشاء بإرادته أو غصبًا عنه، فقد حاصرته من كل صوب وحدب.. العولمة أيضًا لو ظهرت فى عصور الحب الأول وقصص العشق والهيام لقضت على تراث شرقى وعربى أصيل، وتراث مهول من الشعر العذرى، وحكايات الحب الملتهبة لقيس وليلى، وقيس ولبنى، وعنتر وعبلة، وما كنا سمعنا بهم، وما كان من هؤلاء العشاق سوى استخدام الـ«إس إم إس» أو الـ«فيس» أو الـ«ميسد كول» أو «الشات» بالصورة، لممارسة الحب السريع، أى فى الإنجاز، ويقضى كل واحد حاجته ويذهب إلى شىء آخر، فلا لوعة أو حرقة أو انتظار وملل على طريقة الست أم كلثوم أو الأستاذ عبدالحليم حافظ.
هذا ما جناه الإنسان المغمى عليه، والمفعول فيه فى عصر العولمة، وهذا ما يفاجئنا به الصديق المبدع أكرم القصاص فى كتابه المدهش «عولم خانة» بأسلوب ساخر يتميز به منذ بداياته الصحفية ليقدم رؤية شاملة عبر صفحات الكتاب عن إنسان الـ«فيس بوك» و«تويتر» والموبايل وبرامج الشات وما شابه، والمغلوب على أمره، والذى لا يملك من حياته أو يومه أو غده شيئًا إلا بأمر العولمة. ورغم ما يحويه كتاب «القصّاص» وما تبوح به الـ«عولم خانة» من سخرية مذهلة وقدرة على الدهشة فى كل فصل من فصول الكتاب، فإنه وبعدما تنتهى من قراءته يحاصرك سؤال محبط ومحير: «هل ذكرياتك العاطفية والحب الأول وانتظار الحبيب تحت المطر أو فى الشمس الحارقة لساعات والحنين للماضى والزمن الجميل وأفلام الأبيض والأسود كانت نوعًا من العبث لم يكن له داعٍ وأنك ضيعت فى الأوهام عمرك؟!».