فرق كبير بين أن تتمتع بمزايا المجتمع الديمقراطى الذى يتيح للفرد كل مقومات التعبير عن الذات وفقا للقانون وأن ترضخ لحكم الصوت الواحد الذى لا يقبل منك إلا شيئاً واحداً وقولاً واحداً وفعلاً واحداً، فقانون الكون قائم على الاختلاف، والله جل وعلا أبى أن يخلقنا «أمة واحدة» وجعلنا شعوباً وقبائل، والقانون الأزلى يحرم البقاء إلا على «الأصلح» ومن يريد أن يصبغ الكون بصبغته ويكسو العالم بكلماته يتحول تدريجيا إلى طاغية لا يقبل أحداً سواه ولا يريد من العالم إلا أن يصبح مرآة له، وهو ما يشيع التيبس فى أعين المستقبل والكراهية فى خلجات الماضى واليأس فى أوردة الحاضر.
باختصار فإن الفردية هى الحياة، والأحادية هى الموت، ولهذا أثلج صدرى خبر إعلان المرشح الرئاسى السابق «حمدين صباحى» ترشحه لانتخابات الرئاسة، فقد شق صباحى بهذا الإعلان للنور كوة فى أركان المستقبل، ووقف ضد تأميم الحياة السياسية وحكرها على فصيل واحد ورأى واحد وجوقة واحدة، كما أنه بهذه الخطوة الشجاعة سيمثل ضغطا كبيراً على المرشحين الآخرين الذين إن خلا لأنصارهم المجال سيحاولون اختطاف المجتمع لعصور ما قبل البصر.
متوقع أمام زلزال كهذا أن تمارس بعض الأطراف ألاعيب كبيرة أهونها محاولة التشكيك فى قدرات كل مرشح وأوسطها إلصاق الاتهامات وإطلاق الشائعات وأبشعها السعى وراء شق الصف الوطنى وإحداث وقيعة بين قوى الثورة بطرفيها الشعبى والمؤسساتى، ولا أتورع إذ أقول إننا لو تركنا مثل هذه الألاعيب تنتصر علينا وعلى أحلامنا فإنا لن نظفر بمستقبل حقيقى ولن ننعم باستقرار مطمئن.
نريدها «لعبة عادلة» وأحلم بأن تكون «شريفة» يتبارى فيها كل مرشح بإمكاناته الشخصية والوطنية دون تدخل من مؤسسات الدولة فى ترجيح كفة هذا أو بخس حق هذا، ولهذا فأعتقد أنه من الواجب الآن أن يستقيل كل مسؤول تنفيذى أعلن تأييده لأحد مرشحى الرئاسة المحتملين ضمانا للعدالة والديمقراطية والشفافية، وأنى أظن أن كل المسؤولين الذين أعلنوا تأييدهم للمشير عبد الفتاح السيسى إنما أعلنوا عن هذا التأييد اقتناعاً به وإيماناً بجدارته، لا طمعا فى كرسى الوزارة أو المحافظة، ولهذا أطالبهم بأن يستقيلوا ليتفرغوا لمعركتهم الانتخابية لكى لا يكونوا خصماً وحكماً فى الوقت ذاته، ولكى يثبتوا للجميع أنهم على مبدئهم «ثابتون».