حتى لو كان مبارك أو أى من الديكتاتوريات العرب استجابوا لشعوبهم وتركوا السلطة طوعا، ما كان يمكن أن يبقوا لأن أمريكا والعالم الخارجى أو «الحكومة السرية للعالم» قررت رحيلهم لبدء مخططها فى تقسيم الشرق الأوسط، وإعادة توزيع تركة هذه الأنظمة، وإعادة تقسيم ما سبق تقسيمه فى اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية هذا ما يرد به أنصار نظرية المؤامرة الثورة، فى ردهم على أسئلة «لو» كان استجاب مبارك للجماهير وغير وتغير وتعهد ربما حمى مصر مما جرى.
ومن يتبنون نظرية أن الثورة مؤامرة لا يقبلون لو، ولا يعترفون بأن هذه الأنظمة ومنها نظام مبارك كانت فقدت مبررات وجودها وعجزت عن استيعاب متغيرات العصر، وكان عليها أن تسقط إن آجلا أو عاجلا بفعل الزمن، وكان يمكن لو انتبهت هذه الأنظمة ومنها نظام مبارك تحديدا، للتحولات فى شكل العالم ووسائل الاتصال، وسوابق وإنذارات بدأت بغزو العراق وانتهاء نظام صدام، أن وقتها اقترب وأن عليها أن تجرى تغييرات جذرية، وجاءت الفرصة بالفعل بعد غزو العراق.
ربما كان من حسن حظ ثورة مصر أن الجيش انحاز للشعب بشكل واضح، ورفض البقاء إلى جانب مبارك، وبالتالى تجنب المصريون سيناريو ليبيا أو سيناريو سوريا، حيث الجيش لم يتدخل لحسم الموقف وإجبار بشار على تغيير خارطة السياسة وتوازن القوة. الجيش انحاز لبشار، وبالتالى فتح الباب لتدخلات إقليمية ودولية، ومع افتراض وجود مؤامرة، كان يمكن لأى نظام عاقل فى سوريا أن يتخطاها، لو قبل الخروج أو قدم تنازلات حقيقية للشعب الثائر.
ومع افتراض وجود مخططات لتقسيم الوطن العربى، فقد ساهم الحكام المزمنون بعنادهم وغبائهم وعدم استيعابهم للمتغيرات فى تنفيذ هذه المخططات.
ويبدو أن القوى الدولية كانت تنتظر تفاعلات شيخوخة وعناد وغرور الأنظمة المستبدة لتبدأ تنفيذ السيناريوهات. فقد حكم زين العابدين بن على 24 عاما، والقذافى عاش 69 عاما حكم منها 42 عاما، وكان ينوى الاستمرار أو توريث ابنه، وعلى عبدالله صالح حكم 44 عاما، وفى مصر حكم مبارك 29 عاما وبدا مترددا فى ترك السلطة مع وجود إشارات بالتوريث، وهى سنوات كانت تكفى تصاب أنظمتهم بالتكلس. وكانت عاجزة عن تجديد نفسها، وتسببت فى اتساع التطرف والفقر، بسبب الظلم والترهل السياسى والإدارى وغياب المشروع السياسى. وهو ما يجعل «لو»، مستحيلة وبعيدة عن الواقع.
التسلط هو ما فتح الباب لإحياء المخططات، والفرق هو فى مدى إدراك الجيش هنا أو هناك لخطورة الأمر خاصة فى مصر كان موقف الجيش حاسما فى تجاوز سيناريوهات التقسيم فى مواجهة مبارك ومن بعده مرسى. وهو ما نطرحه لاحقا.