ملحوظة قبل البداية: الحديث عن الصحف والصحافة القومية والتلفزيون الرسمى وأحوالهم المادية والإدارية ليس حديث يخص أهل المهنة أو أهل هذه المؤسسات دون غيرهم من مواطنى مصر المحروسة، ذلك لأن هذه المؤسسات ملكية عامة لحضرتك أيها المواطن وهى تحصل من أجل استمرارها على جزء من حقك ودعم الدولة لك ولو أنها نجحت كمشروعات تجارية وفكرية فهى إضافة مادية وفكرية فى رصيدك، ونجاحها أو فشلها أيضاً دليل على نجاح أو فشل من يديرون هذا البلد إذا الحديث عن هم الصحافة القومية هو حديث يخص المواطن المصرى فى المقام الأول قبل أن يخص أهل المهنة.
فى الأسبوع الماضى وافق رئيس الوزراء د.حازم الببلاوى على تقديم قرض حسن بقيمة 80 مليون جنيه لثلاث مؤسسات صحفية قومية وهى أخبار اليوم والأهرام ودار التحرير من بين 8 مؤسسات تملكها الدولة، أى أن الحكومة التى تعانى الأمرين فيما يخص موازنتها العامة تقرض المؤسسات الصحفية التى كانت خسائرها حتى عام 2012 تتجاوز المليارين ونصف المليار وديونها تبلغ حوالى ثلاث مليارات للضرائب والتأمينات الاجتماعية، إذا بلغة الأرقام نحن نتحدث عن مليارات ضائعة فى بلد يبحث عن ملايين، وكثر الحديث هذه الأيام عن إسقاط الديون عن هذه المؤسسات وكل يدلوا بدوله وكأن إسقاط الديون مع الاحترام لأصحاب هذا الرأى كفيل بحل أزمة هذه المؤسسات وإقالة عثرتها وهو موقف يشبه ولى أمر طالب ساقط فى الإمتحان يطلب من المدرس أن يمنحه درجات النجاح لكى ينتقل للامتحان التالى وكأن نجاحه الآن حتى لو بالغش كفيل بنجاحه لاحقاً دون أن يحاول حل أصل مشكلة أبنه الدراسية .
إن هذه المؤسسات تخرج علينا بـ55 إصدار بعضها لا يقرأه حتى العاملون بها ويعمل بها الآلاف وكثير منهم عمالة زائدة ولكن هل يعنى هذا أن نهدمها على رؤوس من فيها الإجابة لا رغم أنها الإجابة الصعب بينما نعم نهدمها هى الإجابة الأسهل والحل الأسرع.
ولكن تظل المشكلة أن أصحاب العقد والحل فى هذا البلد حقيقة لا يمتلكون القدر الأدنى من الخيال أو الجرأة أو حتى الإرادة للحل، إن هذه المؤسسات يجب أن تعامل كمؤسسات إقتصادية يعنى مشاريع مطلوب لإدارتها أهل الاقتصاد وليس أهل الصحافة، فرؤساء مجالس الإدارات يجب أن يكونوا إقتصاديين من الطراز الرفيع أصحاب الخبرات فى إقالة الشركات الخاسرة وسأعطى مثال حى فمع كامل احترامى للزميل ياسر رزق الذى تولى مؤخرا رئاسة مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم وهو صحفى ناجح وله تجارب عديدة فى نجاح إصدارات صحفية والنجاح هنا أقصد به نجاح فى المهنة ولكن هل كان من الصواب توليه مجلس الإدارة لمؤسسة متهالكة لا تملك جنيها واحدا فى البنوك وتمد يدها للدولة، ياسر رزق يليق به ويصلح لإدارة التحرير أما مجلس الإدارة فأولى به اقتصادى لا علاقة له بالصحافة وهذا مجرد مثال على أن المشكلة ستظل قائمة ومسكين من سيتولى إدارة هذه المشاريع الإعلامية الخاسرة .
وأظن أن جزءا كبيرا من الحل يجب أن نتفق أنه حل جراحى فيه نسبة من استئصال ورم خبيث وهو التخلص من كثير من العمالة عن طريق المعاش المبكر ودفع مكافأت مجزية لمن يقبل بالخروج المبكر، قد يرى البعض أن هذا حل غيرعملى فى ظل بلد ينتفض فيه الشعب كل لحظة ولكن من قال أن الحلول الجراحية وإن أذت جزء من الجسد فإنها تحافظ على الحياة لبقية أجزاء الجسد .
وليس هذا هو الحل الوحيد الممكن فعند خبراء إقالة المشروعات الخاسرة من كبوتها عشرات بل مئات الحلول ويمكن أن يتم ذلك بالتعاون مع رئاسات التحرير التى من شأنها أن تكون همزة وصل بين إدارة اقتصادية وإدارة تحرير.
وقد ينطبق نفس الأمر على ماسبيرو المبنى الذى يحمل كل هموم وعيوب وخطايا الحكم السابق وأتمنى ألا يكون عنوان لخطايا الحكم اللاحق، فماسبيرو منهك بالعمالة وبكثرة القنوات وبالبحث عن موضع قدم فى الإعلام المرئى الذى صار إستثمار قبل أن يكون رسالة، وليس لدى مسئول واحد ممن تعاقبوا على هذا المبنى من خيال أو جرأة لكى يأخذ قرارات مختلفة عن سابقيه فينطبق عليهم المثل الشعبى وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.
الإعلام القومى هم بالليل ومذلة بالنهار لمن يديروه وتتعامل معه الدولة بمنطق يبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر أن يمد يده للدولة طلباً لقرض حسن أو طلباً لإسقاط ديون ومن المستحيل الإستمرار فى هذا الوضع فالشعب يريد حلاً .