ناجح إبراهيم

قلت وأكرر عن: رئيس الجمهورية القادم

الخميس، 13 فبراير 2014 06:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تصفحت أوراقى القديمة، فوجدت هذا المقال الذى كتبته أثناء الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية السابقة، والتى شهدت رغبة الكثيرين فى التقدم لانتخابات الرئاسة، حتى قالت زوجتى لى: مصر بلد العجائب، فكل وظيفة لها شروط ومؤهلات إلا الترشح للرئاسة، فهو بلا أى شروط أو مؤهلات حقيقية.. وجدت المقال صالحًا للنشر مرة أخرى، وها أنذا أضعه بين يدى القراء مرة أخرى:
كل فترة يهاتفنى شخص عادى يطلب منى دعمه فى انتخابات الرئاسة، والغريب أن معظم هؤلاء الأشخاص لا يعرفهم أحد، ولم يكن لهم قبل الثورة مشروع فكرى أو سياسى، ولم يكن لهم سابق بذل وعطاء فى المجال السياسى، أو حتى فى المجال العام أو الاجتماعى، وكأن منصب الرئاسة أصبح منصب من لا منصب له، حتى يطمع فيه من لا يصلح كرئيس مجلس إدارة شركة.
إن الطموح جيد، ولكن الطموح دون عمل وبذل وتضحيات ومؤهلات هو خطيئة كبرى يلام صاحبها ولا يمدح.
والغريب أن هناك شخصيات جيدة كثيرة أراها تنأى بنفسها عن السباق حتى لا يصيبها رذاذ التردى الأخلاقى الذى أصاب المجتمع المصرى بقوة بعد الثورة، حتى كاد الشتم والطعن والتخوين للشرفاء أمورًا طبيعية تمر دون استهجان.
كما أن هذه الكفاءات لا تستند إلى أحزاب تقف وراءها، وتدعمها فى الانتخابات، وتدافع عنها عند الملمات، وتساعدها فى إنفاذ قراراتها على الأرض.. والويل كل الويل اليوم للكفء الذى لا ناصر له ينصره.
إن مصر هى أكبر دولة سنية فى المنطقة العربية، وفيها الأزهر الشريف، أعظم منبر للإسلام السنى، ولا يمكن أن يكون رئيسها ممن يكره الشريعة الغراء أو يعاديها أو يتنكر لرسالتها الحضارية.
كما ينبغى علينا أيضًا أن نفرق بين منصب رئيس الجمهورية، ومنصب الواعظ أو الخطيب.. فالفرق بينهما هائل، والوظائف مختلفة، فليس كل من يحسن الخطابة والوعظ ودغدغة عواطف الشباب يصلح لإدارة مصر التى تحفها المشاكل والمتاعب من كل مكان فى الداخل والخارج، وعلى مستوى الإقليم، وعلى المستويين العربى والدولى.
رئاسة الدولة لا تحتاج كثيرًا إلى الخطابة ودغدغة المشاعر، فقد مضى عصر الزعيم الذى يلهب الجماهير بخطابه الحماسى ومؤسسات الدولة مهترئة والزعيم فى واد والدولة فى واد آخر، وما يعنيه منها هو إلهاب الحماسة دون مردود عملى على الأرض، كما فعل بعض الزعماء العرب المعروفين الذين حلقوا بشعوبهم إلى السماء، ثم ألقوا بهم فجأة إلى الأرض، لتُحتل بلادهم، وتُستباح مقدساتهم، ويِقتل أبناؤهم، وتُهزم جيوشهم.
نحن الآن يا سادة فى دولة مؤسسات وليست دولة زعيم، نصحو وننام على خطبه الثائرة، وليس كل من كتب برنامجًا لحكم مصر يصلح شخصيًا لتطبيق هذا البرنامج على الأرض، فإعداد البرامج سهل ميسور ولا يحتاج أكثر من عدد أصابع اليد من أساتذة الجامعة من الأصدقاء.. وكل البرامج جيدة على الورق، ولكن القليل جدًا من يستطيع تحويل هذه البرامج إلى واقع.
ونحن لا نريد رئيسًا شابًا أو قريبًا من الشباب يريد أن يجرب فى مصر، لأن الوطن لا يتحمل التجارب، وظروفه غير قابلة الآن للعمل بنظرية التجربة والخطأ التى جربها القذافى وصدام فى بلادهما. فالخطأ مع الأوطان أشبه بالخطأ مع المتفجرات، فالخطأ الأول سيكون الأخير، خاصة بالنسبة للمشروع الإسلامى الذى يتربص به الكثيرون، فلن يعطينا الزمان فرصًا متعددة لنجرب وندمر الوطن، ثم نجرب وندمره مرة أخرى.
ونحن لا نريد رئيسًا لمصر بلا تجارب أو خبرة.. لا نريد من لم يقابل سفيرًا أو وزيرًا فى حياته كلها، ولا يعرف شيئًا عن أسرار العلاقات الخارجية، وينتظر مستشاريه حتى يشرحوا له أى شىء فى كل شىء، أو الذى يغير رأيه وفكره كلما جالسته مجموعة من أصدقائه أو مستشاريه أو محبيه أو المفكرين.. نريد حاكمًا يدرك الوسع المجتمعى المصرى لتطبيق الشريعة، ويطبق من الشريعة ما يسعه المجتمع المصرى بالتدرج وبحكمة وأناة، وأن يوسع تدريجيًا فى هذا الوسع المجتمعى.
نريد حاكما ً لا تكون بينه وبين أى فصيل من الشعب المصرى أية عداوة.. فقد أصبح اليوم حاكمًا للجميع ومسؤولًا عنهم.
نريد حاكمًا يسع الجميع، ويعتبر الجميع رعيته، ولا يفرق بين أحد منهم، مهما كانوا مختلفين معه فى الدين أو الفكر أو الرأى.
نريد حاكمًا لا يكرر مأساة تقديم أهل الثقة والولاء والأتباع، فهذه هى كارثة حكام مصر الأبدية، وهل هزم الجيش المصرى فى 5 يونيو عام 1967 إلا لأن عبدالناصر سلمه لصديقه الرائد عبدالحكيم عامر ورقاه مرة واحدة من رائد إلى لواء ثم إلى مشير، فى خطوة غير مسبوقة فى التاريخ العسكرى المصرى؟!
إننا لا نريد ذلك المرشح الذى يرسل أتباعه الشباب ليقولوا للناس «إن لم تنتخبوا فلانًا فقد خذلتم الشريعة».. وهل الشريعة حكر عليه دون سواه؟.. إن احتكار الشريعة الإسلامية العظيمة فى شخص أو حزب أو حتى دولة بعينها جريمة كبرى، مازال يقترفها البعض دون خجل أو حياء، وكأنه المتحدث الحصرى والوحيد عن الإسلام، وكأنه الوحيد الذى سيطبق الشريعة فى غمضة عين وانتباهتها.
إننا نريد رئيسًا للجمهورية يهتم بتطبيق وظائف الحكم الإسلامى.. لا أن يهتم باسمه ورسمه، وأن يعلم أن من أهم وظائف الحكم الإسلامى العدل بين المصريين جميعًا مسلمين ومسيحيين، القريب والبعيد، من ينتمى لحزبه ومن لا ينتمى، من صوّت له ومن لم يصوّت له، من يوافقه ومن يخالفه.. ومن أهم وظائفه العدل الاجتماعى دون تأميم لممتلكات الغير أو جور على الأغنياء بغير حق.. ومن أهم وظائفه الشورى بوسائلها العصرية، وأن يكون شريفًا عفيفًا.. لديه شعور بالمسؤولية بحيث يكون أقرب إلى ما قاله عمر بن الخطاب: «لو عثرت بغلة بأرض العراق لعلمت أنى مسؤول عنها أمام الله.. لماذا لم أمهد لها الطريق».. وألا يخجل من مراجعة قراراته دون تردد، فهذا عمر بن الخطاب تراجعه امرأة فى مسالة تحديد المهور فيرجع عن رأيه أمام الناس فى شجاعة نادرة لا يقدر عليها أى سياسى معاصر.
نريد من لا يزيده الكرسى إلا تواضعًا لله ولشعبه، ولا نريد من يصنع منه الكرسى «فرعون» آخر مثل من سبقوه من الفراعنة.
نريد من يطبق قول أبى بكر الصديق: «القوى فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه.. والضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ الحق له».. فيرعى الضعيف والفقير، ولا يظلم القوى والغنى.
نريد من يقدم مصلحة الإسلام والوطن على مصلحة جماعته وحزبه وطائفته، وليس العكس.
نريد من يعطى لمصر لا من يأخذ منها.
نريد الذى يفرق بين التفاعل الحضارى مع الأمم الأخرى، والخضوع للأمم الأخرى، فنحن مع الأولى وضد الثانية.
نريد حاكمًا لا يكون شرطيًا يحمى المصالح الأمريكية والإسرائيلية فى المنطقة، بل نريد حاكمًا يحمى مصر والمنطقة من الجور والبغى الإسرائيلى، والتحيز الأمريكى الأعمى لإسرائيل.
نريد حاكمًا مسلمًا صالحًا يقيم دولة عصرية حديثة تتوافق مع ثوابت الإسلام، وتتخذ من الجزء المرن فى الإسلام أداة لإقامة دولة مصرية مسلمة حديثة وقوية وعصرية توائم بين عنصرى الخلود فى الشريعة الإسلامية، وهما: الثبات والتطور.. الثبات فى العقائد والغايات والأركان والمقاصد، والتطور فى الأساليب والوسائل والآليات، وتوائم بين حاكمية الله وحاكمية البشر مواءمة صحيحة.
نريد حاكمًا يعطى صورة جيدة عن الحاكم المسلم الذى يلتزم بصحيح الإسلام، وينفتح على العالم كله فى الوقت نفسه.
نريد حاكمًا لا يمزق علاقات مصر بالدول الأخرى، نريد من يوحد العرب ولا يفرقهم، ولا ينصب نفسه زعيمًا للعرب بالقول لا بالعمل، وبالقوة لا بالتقدم والحرية.
نريد حاكمًا يعيد لمصر مكانتها المفقودة بعد أن أصبحت تابعة حتى للدول العربية الصغيرة.
نريد حاكمًا مقبولًا من الجيش والشرطة والحركات الإسلامية والمسيحيين والليبراليين، أو من غالبيتهم، أو عقلائهم على الأقل.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة