لن أمل من القول أن أوروبا حينما أرادت أن تنهض وأن يكون لها شخصيتها الحضارية المميزة نظرت إلى ماضيها البعيد ومنه صاغت حضارتها التى أبهرت العالم فيما بعد وأسست منها لغة فنية سادت حتى وقت قريب، ثارت أوروبا على جمودها فلم تقل «ألا ليت الشباب يعود يوما» لتكتفى فقط بإخباره بما فعل المشيب، ولم تتغنَ «وعايزنا نرجع زى زمان قول للزمان أرجع يا زمان» لكنها نهضت معتمدة على شخصيتها الفنية المميزة وأسست بذلك روحا حضارية جديدة.
أتذكر حينما جاءت الحملات الصليبية على الشرق الإسلامى، ولأن شخصيتنا الحضارية وقتها كانت راسخة قوية، عاد الجنود والأمراء إلى بلادهم محملين بمنتجات الشرق ذات الطابع الإسلامى فتأثر بها الفنان الأوروبى واستفاد من تقنياتها وفنياتها، أتذكر أيضاً وقت أن كان العالم الإسلامى يقوم بدور أشبه بدور الصين الآن، حينما كان ينتج لكل مستهلك سلعة تخاطب وجدانه، فحفظت لنا المتاحف قطعاً من الخزف الإسلامى الذى يصور مشهد صلب المسيح خلافاً للسائد فى المجتمعات الإسلامية، وذلك لأن الفنان الشرقى لاحظ ازدهاراً ملحوظاً فى هذه النوعية من المنتجات بعد تنامى الوجود الصليبى فى الشرق، تماما كما تفعل الصين الآن حينما تصنع لنا «فانوس» رمضان.
حديث ذا شجون، أثارتها فى داخلى تلك الزاوية المتميزة التى يكتبها الدكتور أحمد الصاوى فى جريدة الاتحاد الإماراتية والتى عرض من خلالها يوم السبت الماضى لمرحلة تاريخية وفنية غالية على كل من ينتمى إلى حضارتنا الشرقية بتنويعاتها وخصبها وغناها الفنى والروحى، ولك أن تفتخر قليلا وتحزن كثيراً حينما تقرأ فى هذه الزاوية الغنية ما قال الدكتور أحمد الصاوى عن ولع أوروبا بتقليد المنتجات الشرقية من الخزف أو التحف الزجاجية، وكيف كانوا يتفننون فى تقليد هذه المنتجات المصرية المملوكية منذ القرن الخامس عشر الميلادى حتى أن مدينة مهمة مثل مدينة البندقية التى بإيطاليا كانت متخصصة فى صنع هذه النسخ المقلدة وبيعها إلى أوروبا.
لا أريد هنا أن أدغدغ مشاعرك، ولا أن أشعرك بافتخار زائف، لكنى أريد أن أنبهك فحسب إلى أننا «نستطيع».