العاقل هو الذى يعرف الخطوة التى تسبق الهاوية فيتوقف قبلها، وجماعة الإخوان الإرهابية تقفز من هاوية لمنحدر أعمق منها، ولا تترك لنفسها فرصة لمراجعة الذات والاعتراف بالأخطاء والخطايا، وجنت على نفسها وكتبت نهايتها بأفعالها، غير مدركة أن الوقت فى غير صالحها، وأنها تشيد حول نفسها جدرانا من الكراهية الشعبية، بسبب الدم الذى يراق والتخريب المتعمد، الذى يستهدف تهديد حياة الناس وتعكير صفو حياتهم وقطع أرزاقهم، أملا فى الوصول بالبلاد إلى حالة خراب وفوضى، تسمح لهم بالعودة إلى الحياة السياسية فوق الأنقاض، ورغم أنهم جربوا هذا المنهج التدميرى مرات عديدة، فلم يحصدوا إلا أشواكا وصداما، فإنهم يزدادون إصراراً على الانتحار السياسى.
هم يعيشون على أوهام الثورة الثالثة، وإذا حدثت ستكون ضدهم وليست لصالحهم، لأن الناس ضاقوا ذرعا بالجرائم الإرهابية التى تهدد حياتهم وأمنهم، وآخرها جريمة طابا التى راح ضحيتها سائحون كوريون، وكان الهدف من ورائها ضرب بوادر الانتعاش السياحى، وتخريب هذه الصناعة التى تفتح بيوت الملايين، حتى تعم البطالة ويسود الفقر وينتشر الجوع وتجىء الثورة التى تطلق سراح سجنائهم وتعيدهم إلى السلطة، لكنه تفكير أحمق ومريض ويعبئ النفوس بغضب عارم ضد الإخوان وجرائمهم، ويزيد من إصرار وعزيمة الدولة على المضى بسرعة فى الحرب الشاملة ضد الإرهاب، ويدعمها ظهير شعبى قوى، اكتوى بنارهم وذاق مرارتهم وينتظر يوم الخلاص منهم.
لم يعد أمام جيل الإخوان القابع فى السجون إلا أن يعيشوا على ذكريات اقتحام السجون، وباتت الفرصة الوحيدة لنجاة رئيسهم المعزول هى أن ينقذه سفاح من حماس ويعطيه هاتف الثريا ليخاطب قناة الجزيرة، ويقول لهم: «أنا محمد مرسى عيسى العياط»، وأن يندس لهوهم الخفى فى الشوارع يقتل ويحرق ويخرّب ويلصق الاتهام بالآخرين.
إنه إدمان الأوهام الذى يعمى العيون عن رؤية الحقيقة، فيجعل مرسى يقف فى قفص الاتهام كالديك المنفوش، يصرخ فى القاضى «أنا الرئيس وإنت مين يا عم»، وسوف تزداد هيستيريته وهلوسته كلما مضى قطار المحاكمات، وضاقت دوائر الاتهام حول عنقه، ومعه بقية أهله وعشيرته الذين يردون على الاتهامات القوية التى تلاحقهم، بالخبط على زجاج القفص الحديدى، وترديد الهتافات المسيئة وراء منشدهم صفوت حجازى، وإدارة ظهورهم لهيئة المحكمة الموقرة.
لقد خرج جيل مرسى من الحياة السياسية إلى الأبد، وإذا ثبتت الاتهامات بحقهم فسوف يقضون بقية حياتهم خلف أسوار السجون، لكنهم تركوا خلفهم أعدادا كبيرة من المخدوعين والمغيبين، وملؤوا عقولهم بأفكار أخطر من المولوتوف والديناميت، وزرعوا الأرض بأنواع خسيسة من شياطين الإرهاب، بما يعنى أن المواجهة تحتاج خارطة طريق، لتنقية الأجواء من الأفكار الغريبة والشاذة التى اندست تحت جلد المجتمع فى غفلة من الزمن، جنبا إلى جنب المواجهة الأمنية، التى لا بديل عنها فى الوقت الحالى لاقتلاع الإرهاب من جذوره وتجفيف منابعه.. إنها معركة الوطن الذى عاد إلى الحياة من جديد، بعد أن اختطفه الأشرار لمدة عام.