حتى كتابة هذه السطور، كانت الأنباء الواردة عن إضراب عمال غزل المحلة تؤكد فشل مفاوضات تعليق إضرابهم، والذى دخل يومه التاسع أمس.
فى قصة هذا الإضراب ما يشير إلى أزمات كبيرة متوقعة فى المرحلة المقبلة، وفيها أيضاً ما يؤكد على حالة التيه التى نعيشها منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، وكشف لعمق التخريب والتجريف اللذين عاشتهما مصر على مدى سنوات حكم مبارك.
قبل سنوات وأثناء حكم مبارك، وبالتحديد عام 2007، حدث مثل هذا الإضراب، وامتد أثره إلى شركات غزل ونسيج أخرى، كان من أشهرها شركة كفر الدوار، وأذكر أن وزير قطاع الأعمال وقتها محمود محيى الدين، ووزير القوى العاملة عائشة عبدالهادى، ذهبا إلى هناك واجتمعا بالعمال، وأثناء الحديث عن المشاكل التى أدت لهذا الإضراب، ألقى عامل مقطعا من «الزجل» عن الشركة ومجاملة للوزير والرئيس، فإذا بمحمود محيى الدين يجاريه بمقطع «زجلى» قاله تلقائياً، وانتهت الزيارة بإنهاء الإضراب وتلبية مطالب العمال، لكن جذور الأزمة بقيت، فلا «زجل» الوزير و«العامل» كان دواء شافياً، ولا تلبية مطالب العمال كانت علاجاً نهائياً
.
قصة الإضراب الحالى، هى إفراز طبيعى لسنوات طويلة من التخريب والتدمير لشركات القطاع العام، وفى القلب منه قطاع الغزل والنسيج الذى كان درة الصناعة المصرية، وبلغ التدمير مبلغه منذ أن أصبحت الخصخصة توجها يتباهى به نظام مبارك، بالرغم من أنها نهج للبيع وليس للبناء، فى قصة الخصخصة فضائح للفساد، كانت تتم باسم القانون، وفضائح دمج عدد من الشركات تحت مسمى «القابضة»، بغرض تهيئة كل شىء للبيع وليس للتطوير.
كانت شركة «غزل المحلة» واحدة من الشركات التى هيأت لها سياسات نظام مبارك كل وسائل التخريب والتدمير، وبدلاً من أن تكون قلعة صناعة يعمل فيها ما يزيد على 23 ألف عامل، تعاملت معها حكومات مبارك بوصفها عبئاً ثقيلاً، تتمنى أن تستيقظ يوماً وتراها بكل ما فيها فى قاع البحر، فالنظام السياسى الذى يسير على نهج يؤدى إلى خسائر سنوية للشركة تبلغ 145 مليون جنيه تقريباً من عام 2007، بعد أن كانت تحقق أرباحاً حتى عام 2005 (حققت فى هذا العام 3,8 مليون جنيه أرباحاً)، أقول أن النظام السياسى الذى يفعل ذلك، دون أن يقدم روشتة علاج ناجحة، لابد من محاسبته سياسياً وجنائياً.
من واقع الإضراب الحالى وأسبابه، لا نرى الأمور أفضل مما كنا نراها أيام نظام مبارك، هى نفس المطالب العمالية، نفس نهج شركات القابضة، نفس فصيل القيادات التى كانت تصفق إعجابا بالخصخصة، وبالتالى سيكون الناتج ليس أفضل حالاً مما كان أيام مبارك.
حزمة الحلول لهذه القضية، أكبر بكثير من مجرد صرف أموال العمال، وأكبر من إقالة رئيس شركة، وأكبر من تغيير قيادة والإتيان بأخرى، وقد يكون كل ذلك مطلوباً، لكن الأهم، أنه لومضى وفقاً للقواعد السياسية الحالية، سيكون جرماً جديداً يتم إضافته إلى سلسلة الجرائم السابقة التى حدثت فى عصر مبارك بحق الصناعة الوطنية التى تم تشييدها بعرق المصريين، ويتم هدمها بكل سهولة منذ سنوات، ولا جديد بعد الثورة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن تحت الحراسة
ملفات الفساد التى أعلنها المستشار المحترم \ هشام جنينة