د. محمد على يوسف

جريمة أن تختلف

الجمعة، 21 فبراير 2014 08:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل صار الرأى المختلف جريمة؟ سؤال محورى يحتاج إلى نظر وتفكير جاد وهادئ، خصوصا فى تلك الفترة الحرجة من عمر الوطن، والتى برزت فيها على الساحة الفكرية والسياسية مسائل متعددة، وقرر أصحاب كل رأى أن المخالف دائما متهم.

وقد تتفاوت طبيعة الاتهامات وتتراوح ما بين الخيانة والعمالة وربما النفاق والكفر لكنها- على تفاوتها وتباينها- تتفق فى عامل مشترك وهو: أن هذا الرأى المخالف دوما جريمة، شئنا أم أبينا فإن هناك جزءاً من الشعب يرى فى هذه المحكات والقضايا خلاف ما يراه الجزء الآخر، لكن هل فى تلك القضايا ما يمكن وصف موقف أو رأى معين فيه بأنه معلوم من الوطنية بالضرورة ويعد ضده جريمة؟ ربما ترى ذلك وسيظل حقك الشخصى أن ترى ما تشاء، لكن ماذا لو رأى غيرك شيئا آخر؟ هل يحق لك إجباره على اعتناق رأيك ثم محاسبته أو معاقبته عليه؟ مَن مِن المخلوقين يمتلك هذا الحق المطلق؟! وهل يحق لبشر مهما كان أن يجبر أحدا على اعتناق عقيدته الثابتة فضلا عن رأيه الاجتهادى؟!

لعل أبرز جرائم فرعون والتى جعلته يقرر عمليا ألوهيته المزعومة أنه قام بتفعيل تلك القاعدة، قاعدة: ما أريكم إلا ما أرى، لقد كانت تلك حقيقة دعواه: أنا ربكم الأعلى، إن من يظن لنفسه هذا الحق هو فى حقيقته يظن نفسه إلهاً ينبغى على الخلق أن يعبدوه، أن تجعل لنفسك سلطانا على فكر الآخرين وتصوراتهم وآرائهم وحلالهم وحرامهم بل حتى ضمائرهم ونواياهم وما تخفى الصدور فما التعبيد غير ذلك؟

إن من يعبد إلها فإنه– ابتداءً- يسلم له القياد فى التصورات وهذا ما يعرف بالمعتقد فتعتقد ما أخبرك به الإله أنه هو الصواب وتكفر بما أنبأك أنه باطل والعابد الذى اعتنق عبودية هذا الإله يقبل ذلك بمجرد دخوله فى دينه وإلا فإنه فعليا لم يدخل فى عبادته، هذا منطق، وأضح وبسيط يعلمه معتنقو كل دين، لكن حين يجعل المرء تصوره هو الوحيد المقبول ومنطقه البشرى أو تقييمه العقلى هو مناط الصواب والخطأ ومن خلاله يحكم على الشخص أو يتهمه ويعاقبه مسقطا عنه حقوقه الإنسانية التى تصل أحيانا إلى حقه فى الحياة نفسها فإنه بذلك يكرر ويقرر قاعدة مدعى الألوهية: ما أريكم إلا ما أرى! هذا للأسف هو ما يفعله البعض اليوم دون أن يشعروا.

لا شك أن هناك ثوابت معينة لا تدخل فى إطار الآراء التى تقبل الأخذ والرد لكن من الذى يحدد تلك الثوابت؟ من الذى يقرر أن صاحب هذا الرأى خائن وصاحب هذا الموقف عميل ومعتنق تلك الفكرة طابور خامس؟ وهكذا الرأى والموقف (خصوصا السياسى البشرى الاجتهادى) طالما ظل فى إطار وجهة النظر، ولم يتحول إلى فعل متعدٍ أدى إلى إضرار مباشر بحقوق الآخرين أو تحريض عليها فإنه يظل رأيا حتى لو كثر مخالفوه.

لعل ما حدث بعد ثورة الخامس والعشرين مع أعداء تلك الثورة ومن خالفوها ووصموها منذ البداية بأنها مؤامرة يعد من الأمثلة الواضحة لذلك التسامح الفكرى.. فما الذى تغير اليوم؟! لماذا تتحول الآراء والمواقف اليوم إلى تهم تتطاير هنا وهناك؟ لماذا تعلن بعض الأقلام والألسنة من جديد قاعدة: ما أريكم إلا ما أرى؟ ولماذا صار الرأى المخالف جريمة فى بلادنا؟!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة