حنان شومان

يا مرارك الطافح يا مصر!

الجمعة، 21 فبراير 2014 12:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المرار الطافح تعبير من جنوب مصر يُقال فى الملمات والمصائب وما أكثر مرار مصر الطافح، وهذا بعض من بعض المرار الطافح:

1 - برج القاهرة أو شوكة عبدالناصر كما أطلق عليه الأمريكان فى يوم من الأيام تم إغلاقه فليس هناك من أحد يريد أن يستأجره.. يا ليلة سودة.. كيف بنا نغلق التاريخ والجغرافيا والرومانسية والذكريات.. أما التاريخ فإن هذا البرج الذى تكلف بناؤه عام 1956 نحو 6 ملايين جنيه مصرى كانت رشوة من أمريكا آنذاك قدمتها لمصر وأرسلتها مع حسن التهامى مستشار رئيس الجمهورية جمال عبدالناصر فى حقيبة لكى لا تدعم مصر موقف الجزائر فى حرب الاستقلال، وكان من الممكن أن تكون هذه الملايين ثمنا للسكوت، ولكن ناصر لم يفعل وقرر أن يستغل الرشوة الأمريكية فى بناء شامخ يطل على نيل مصر وربوع المحروسة ليكون رمزا وإعلانا عن رشوة أمريكية رفضتها مصر، وقيل إن المحيطين بناصر طلبوا منه الاستفادة من المبلغ فى البنية التحتية التى كانت تحتاجها مصر بالفعل، ولكنه قال لهم بل نبنى به برجا رمزا للكرامة، هذا هو التاريخ، أما فى الجغرافيا فحدث ولا حرج، فهو المكان الكاشف لكل ربوع قاهرة المعز وأطول من الأهرامات، والبرج الذى يلى برج إيفل الفرنسى الشهير آنذاك، أما عن الرومانسية والفن فما من فيلم فى تاريخنا يصور لحظة حب بين بطلين إلا وكان سطح البرج ثالثهما، بل إن اسمه صار عنوانا لفيلم قامت ببطولته سعاد حسنى وهو موعد فى البرج.. أما الآن فليس هناك موعد فى البرج لأن البرج لا يجد من يفتحه.. يا مرارك الطافح يا مصر!

2 - قرأت مبادرة الدكتور حسن نافعة للمصالحة كما أطلق عليها، ثم شاهدته على شاشات التلفزيون يدافع عنها ويوضح أفكارها أو مراحلها، وللحق لست هنا فى معرض الحديث عن فكرة المصالحة مع الإخوان ونقدها ومهاجمة الدكتور نافعة على تصديه لهذه المبادرة، فقد قام كثيرون غيرى بهذا النقد وهو ليس همى الأكبر، ولكن الملاحظة التى استرعت انتباهى أن الدكتور أستاذ جامعى فى كلية يقال عنها من كليات القمة، وهى سياسة واقتصاد، أى أنه يعلم أجيالا والتعليم فى أساسه وأصله وصحيحه هو تعليم الفكر والقدرة على الاستنباط وترتيب الأفكار والخروج بنتائج، وكما بدا لى من ملاحظة مبادرة الدكتور نافعة فإنها تفتقد لكل هذه المواصفات، فكيف بهذا أستاذا وخبيرا يقدم لأجيال فكرا ويعلمهم.
وهنا لا نملك إلا أن نقول ونصرخ يا مراركم الطافح يا طلبة مصر!

3 - على كوبرى أكتوبر فى رحلة يومية كنت أتحرك بسيارتى ببطء شديد بسبب الزحام المعتاد، وكان الطريق المقابل إلى حد كبير يكاد يكون خاليا وفجأة وجدت مجموعة من الشباب توقف سيارتها وتجرى وراء شاب آخر نحيل يحاول اللحاق بتاكسى فى الجهة المقابلة ولكن توقف السيارات حال دون هرب الشاب فأمسكه الأربعة الآخرون بالأيدى والأرجل والأحزمة وضربوه فى كل مكان ممكن وغير ممكن، ولم يكن يفصلنى عنهم إلا خطوات، وكان مشهدا بالنسبة لى مخيفا، فرحت أصرخ فيهم كفاية رغم أنى عرفت أن هذا الشاب الصغير حرامى سرق من أحدهم تليفونه المحمول وحاول الهرب، والغريب أو المثير أن كثيرا من سائقى السيارات تركوا سياراتهم وانضموا للشباب الذى يضرب الحرامى، وضاع صوتى وأنا أقول كفاية ضرب سلموه للشرطة، فرد على أحدهم وقال وهى الشرطة حتعمله إيه، فقلت له ستحبسه لأنه لص متلبس، فرد قولى يا باسط!
\
مشهد ربما شاهدناه مرات ومرات وأحيانا نردد فيه المثل الشعبى أكل علقة مكلهاش حرامى فى مولد، ولكن هذا مشهد كاشف فاضح لنا كشعب، فنحن صرنا نأخذ حقنا بأيدينا ونزيد عن حقنا ولا نثق فى حكم الدولة وأجهزتها، ونرى أنها طرية مع الحرامى، ونبادر بالمشاركة فى العقاب حتى لو لم ينلنا أذى كما فعل ركاب السيارات الآخرون، وكذلك نجنح إلى العنف فى التعامل ثم ننتقد الشرطة لعنفها وهى جزء منا، نحن فى حلقة مفرغة من العنف ما بين مواطن ومخبر وحرامى.. يا مرارك الطافح يا مصر!

4 - كل ليلة يجلس كثير من المصريين أمام شاشات التلفزيون يشاهدون ما يقدمه هذا الصندوق السحرى، يتنقلون بين قنواته المختلفة كل حسب هواه ولأن الهوى السائد هو سؤال وماذا بعد؟ وما الذى حدث وسيحدث؟ فمصر منذ ثلاث سنوات تعيش يوماً بيوم، بل ساعة بساعة، ولذا فأغلب الهوى يذهب للأخبار وللبرامج التى تتابع الحدث اليومى، فما الذى يفعله هؤلاء الجالسون على مقاعدهم أمام الكاميرات فى غالبية الشعب، إنهم غالبا دون قصد وبجهالة يقتلون ما بقى فى الشعب من بقايا البقايا، إنهم يجهزون على ما بقى من أخلاقيات التحاور فيما بين ضيوفهم وفيما بينهم، ويضربون ضربة قاضية للموضوعية المفروضة عليهم فهل من المهنية فى شىء أن يتم إرسال الاتهامات لهذا وذاك من قبل ضيوف يضعون أوراقا أمامهم يقولون إنها مستندات تدين فلانا أو علانا وتضربه فى مقتل أمام مذيع مبتسم كلما علت نبرة الفضيحة من وجهة نظره، دون أن يمنح من يتهمه ضيفه فرصة الرد.. أى معايير تلك التى يتحرك بها معدو ومقدمو البرامج الليلة غير معيار العرى وتقطيع الهدوم، وكلما علت النبرة زادت ابتسامة المذيع وإحساسه بالانتصار، فهذا يرفع راية الردح وذاك يعلى من شأن الفضح فى غير موضعه، وأخرى تعلمنا الشماتة، وغيرها يرفع من شأن الأباحة، وهكذا يترنح الشعب وهو يرى مصر كل ليلة ينزعون عنها ملابسها وتتعرى.. ولا أستثنى منهم أحدا، وإن اختلفوا فى الدرجات، فكلهم يشاركون فى اغتصاب عقولنا كل ليلة ليس سعيا وراء الحقيقة أو المساعدة على بناء التفكير وخلق وجهات نظر متعددة، ولكنه السعى وراء مساحة أكبر لإعلانات الشيبسى والسمنة والمنظفات وحفاظات الأطفال والنساء.. يا مرارك الطافح يا مشاهد!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة