التأريخ لعمليات النهب المنظم لثروات مصر فى عصرها الحديث، سنجد فيه أن هذا النهب أخذ أشكاله منذ السبعينيات من القرن الماضى على النحو الآتى:
فى السبعينيات بدأت أولى عمليات النهب تحت يافطة ما سمى وقتها بـ«الانفتاح الاقتصادى»، ومن بابه بدأت عمليات الاستيراد من الخارج دون ضوابط، مما أدى إلى بدء الخطوات الحقيقية نحو ضرب الصناعة الوطنية، و عرفت الثمانينيات نهبا جديدا تحت يافطة «توظيف الأموال»، وهى الشركات التى جمعت أموال الشعب لديها مقابل فوائد شهرية، ووصل بها الأمر إلى حد وضع البنوك على شفا الخطر، وأصبحت هذه الشركات بمثابة دولة داخل دولة، ولما شعرت الدولة بالخطر أفاقت، وقررت مواجهاتها وتصفيتها نهائيا، وكلنا نعرف كم المآسى التى ألمت بالمودعين الذين ضاعت أموالهم فى هذا الوهم. فى التسعينيات بدأت أكبر عمليات النهب بالمقارنة مع ما سبق، وتمثلت فى برنامج «الخصخصة»، وعبر هذا البرنامج تم بيع مصانع وشركات بأبخس الأثمان، وبسببه جمعت فئة قليلة الثروة لنفسها على حساب الشعب المصرى، وهى الفئة التى أشترت ثم باعت، أو غيرت النشاط، وبالطبع كانت هناك عمولات وسمسرة، وفى النهاية أصبحت مصر عبر برنامج الخصخصة مجالا لنهب كبير، وفساد عظيم.
عملية الخصخصة بفسادها، بدأت فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى، وتواصلت حتى السنوات الأخيرة من نظام مبارك، وتولد إلى جوارها فساد كبير آخر، أو نهب منظم ينضم إلى أشكال النهب السابقة، وهو بيع أراضى مصر والاتجار فيها، ويمكن القول أن هذا الباب، كان هو من البصمات الرئيسية لزمن مبارك فى الفساد المنظم، وعالمه السرى والعلنى.
كان بيع الأراضى يتم على قدم وساق فى زمن مبارك بأبخس الأثمان، وفى نفس الوقت كانت هناك أقلام صحفية تكشف الحقائق والفضائح، ومن بين هؤلاء الصديق الكاتب الصحفى أسامة دواد، الذى كانت له صولات وجولات فى ذلك، جمعها كلها فى كتاب هام بعنوان «حيتان الأراضى» صدر منذ أسابيع، وتأتى أهميته فى أنه يجمع جانبا كبيرا مما حدث فى مصر من نهب للأراضى فى كتاب يعد توثيقا حقيقيا، يعود إليه من يريد أن يعرف صورة الفساد فى مصر أثناء زمن مبارك، والذى قاد مع أسباب أخرى إلى الثورة عليه يوم 25 يناير.
فى الكتاب نعيد قراءة وتذكر انفراد «أسامة» بالكشف عن عقد بيع أراضى توشكى للأمير وليد بن طلال، والذى يعد نموذجا كبيرا فى كشف وفضح هذا النوع من الفساد، ففى عام 2009 وضع «أسامة» الحقائق كاملة فى هذه القضية، بعد أن كانت عبارة عن همس يتردد دون دليل، كشف عن إجمالى سعر الفدان للمصريين من الصحراء دون مياه أو بنية تحتية بثمن ألف فدان كاملة المرافق للأمير وليد، وأنه سيحصل على 700 مليون متر مكعب، و600 مليون فى وقت الجفاف بسعر أربعة قروش للمتر.
يشمل الكتاب، قضايا أخرى عديدة، منها كم الألاعيب التى فعلها رجل الأعمال إبراهيم كامل، للحصول على أرض الضبعة، ووقف مشروع الطاقة النووية فيها، وقضية أخرى وهى صفقة بيع شركة عمر أفندى ودور المهندس يحيى حسين عبد الهادى فى الكشف عنها ومحاربتها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة